مجلة كيو بزنس Q Business Magazine:
ارتدّت أسواق الأسهم العالمية وتراجعت أسعار الدولار في أعقاب تصريحات الرئيس ترامب بشأن النقاشات التجارية مع الصين، وأنها كانت “تسير على نحو جيّد”، وبعد أن أعطى أوامره بإعداد مشروع صفقة أمريكية-صينية؛ وهو ما نفاه في وقت لاحق. ولم يَحُل ضعف الدولار دون المعاناة التي شهدتها السلع، حيث اتجه النفط الخام نحو أسوأ الأسابيع التي اختبرها منذ فبراير جرّاء زيادة الإنتاج، والتأثيرات المحتملة للعقوبات المرتقب فرضها على إيران – والتي يرجّح أن تكون تأثيراتها أدنى من التوقعات.
بقلم: أولي هانسن، رئيس استراتيجية السلع لدى “ساكسو بنك”
وارتفعت أسعار الدولار إلى أعلى مستوياتها خلال 16 شهراً مقابل سلة من العملات، قبل أن يتحول نحو تصفية طويلة الأجل استجابة للتفاؤلات بشأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وإعلان الصين اتخاذ إجراءات إضافية لتحفيز اقتصادها، ناهيك عن التصريح آنف الذكر لترامب.
ومن المنتظر أن يلتقي ترامب بالرئيس الصيني شي جين بينغ على هامش اجتماع دول مجموعة العشرين في الأرجنتين يومي 30 نوفمبر و1 ديسمبر. وفي وقت سابق من هذا الأسبوع، هدد الرئيس الأمريكي بفرض رسوم جمركية على جميع الواردات الصينية المتبقية؛ لكن، وبعد اتصال هاتفي هو الأول من نوعه بين زعيمي البلدين منذ ستة أشهر، ارتفعت الآمال بإمكانية التوصل لحلّ. ونعتقد بأن هذا لا يعدو كونه مسرحية مصممة لدفع السوق قبل موعد انتخابات منتصف الولاية الرئاسية يوم الثلاثاء المقبل.
ولم تمتد الشهية المتزايدة للمخاطرة نحو السلع، فقد انخفض للأسبوع الرابع على التوالي مؤشر بلومبرغ للسلع الرئيسية، والذي يتتبّع سلّة من 24 سلعة خام أساسية في قطاع الطاقة والمعادن والزراعة، وتعرّض للضرر جرّاء استمرار عمليات البيع الواسعة في قطاع الطاقة، والأرباح التي جناها السكر والقهوة بعد الانتخابات البرازيلية.
وساهم انخفاض أسعار الدولار، لاسيما مقابل الرنمينبي الصيني، في تعزيز أسعار المعادن. وقال جون هاردي، رئيس استراتيجية الفوركس لدى ’ساكسو بنك‘: “خلال اليومين الماضيين، توقعنا أن يكون ارتفاع أسعار اليوان الصيني بمثابة تحرك صيني لسحب العملة بعيداً عن حدودها الدنيا المفترضة (7.00 من حيث زوج العملات دولار أمريكي/يوان صيني) قبل اجتماع دول مجموعة العشرين”.
وعلى أية حال، أدت هذه التطورات إلى ارتفاع أسعار المعادن الصناعية، وزيادة الطلب على المعادن الاستثمارية شبه الثمينة مثل الفضة والبلاتين. وبذل المعدنان كل ما في وسعهما لمواكبة أسعار الذهب خلال الأسابيع القليلة الماضية. وتظهر الفضة مؤشرات جيدة بعد اختراقها حاجز 14.85 دولار للأونصة التي تبشر بامتداد محتمل إلى 15.23 دولار للأونصة في البداية.
وجاء التحرّك الأكبر من النفط الخام الذي تأثّرت أسعاره بثلاث جرعات من الأخبار السلبية التي ساعدت في دعم الزخم السلبي المتراكم بعد الرفض الحاد لسعر البرميل الواحد فوق عتبة 80 دولار قبل عدة أسابيع.
وبدلاً من ذلك، عادت أسعار خام برنت نحو نطاقها بين 70-80 دولار للبرميل، والذي كان سائداً بين شهري أبريل وأغسطس. وما زالت توقعاتنا تشير إلى إمكانية أن تصل أسعار خام برنت إلى 80 دولار للبرميل قبل نهاية العام، حيث انخفضت مخاطر التوسّع أعلاه بشكل كبير هذا الأسبوع نتيجة لتغير المعنويات بسبب العوامل الرئيسية الثلاثة التالية:
- أ- زيادة إنتاج النفط في كل من الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا؛ فقد أشارت التقارير الصادرة عن مركز معلومات الطاقة الأمريكي هذا الأسبوع أن مستويات إنتاج النفط في الولايات المتحدة الأمريكية قفزت بنسبة 3.8 بالمائة خلال أغسطس لتصل إلى رقم قياسي جديد لها عند 11.346 مليون برميل يومياً، وهو ما يمثل قفزة مذهلة على أساس سنوي بمقدار 2.1 مليون برميل يومياً. وفي الوقت نفسه، كشفت روسيا أن إنتاجها من النفط خلال أكتوبر وصل إلى 11.412 مليون برميل يومياً، وهو مستوى قياسي لم تسجله طوال مرحلة ما بعد الاتحاد السوفييتي.
- ب- بيّنت الدراسات الاستقصائية التي أجرتها رويترز وبلومبرغ حول إنتاج أوبك من النفط أن الإنتاج وصل إلى أعلى مستوياته منذ عام 2016، بالرغم من انخفاض مستوياته من إيران. وجاءت أكثر الزيادات الملحوظة في الإنتاج من ليبيا (+170 ألف برميل يومياً)، والمملكة العربية السعودية (+150 ألف برميل يومياً)، والإمارات العربية المتحدة (+80 ألف برميل يومياً). وتراجع مستوى إنتاج النفط الإيراني بواقع 10 آلاف برميل يومياً فقط، ليصل إجمالي الانخفاض إلى 400 ألف برميل يومياً منذ مايو، عندما بدأت العقوبات تكشّر عن أنيابها.
- ت- من المتوقع أن تمنح الولايات المتحدة الأمريكية ثمانية دول، من بينها الصين والهند، استثناءات من عقوبات إيران بخصوص شراء النفط منها. وينبغي أن تكفل هذه الخطوة تراجع حدّة التأثيرات التي ستخضع لها الصادرات الإيرانية قياساً بالتوقعات، مما يحدّ من فاعلية العقوبات في رفع أسعار النفط.
ومع الوتيرة القياسية لارتفاع إنتاج النفط في الولايات المتحدة الأمريكية، تخلت أوبك الآن عن اتفاقها السابق للالتزام بسقف إنتاج. وجاء ذلك رداً على التهديدات خلال الأشهر القليلة الماضية بأن العقوبات الأمريكية ضد إيران قد تؤدي إلى قفزة عالية في أسعار النفط، مما يؤدي بدوره إلى تدمير الطلب بسرعة وانخفاض كبير في الأسعار.
وبعد تراجع التوجه التصاعدي منذ مطلع عام 2017 والمتوسط الحسابي المتحرك على مدى 200 يوم، يبدو خام برنت على عتبة اختبار الدعم عند 70 دولار للبرميل، وهو الحد الأدنى للنطاق الذي ساد الفترة بين شهري أبريل وأغسطس. ونتوقع أن يجد النفط الخام الدعم في وقت قريب، لتعود أسعاره نحو الارتفاع مجدداً باتجاه النهاية العليا للنطاق المذكور. وتتمثل أسباب ذلك في الانخفاض الحاد لصفقات الشراء في صناديق التحوّط، والقدرة الاحتياطية المنخفضة التي تركت السوق عرضة لنقلة نوعية مستقبلية لا تقلّ عن التأثير المجهول للعقوبات الأمريكية المفروضة على إيران.
وشهد الذهب أسبوعاً متقلّباً من حيث الأسعار لينتهي دون أي تغيّر يذكر على سعره في بدايته. وجاء ذلك بعد عمليات بيع واسعة في منتصف الأسبوع دفعت الذهب للبحث عن الدعم جرّاء ارتفاع عائدات الأسهم والسندات والدولار. وقد أثرنا بعض المخاوف يوم الاثنين بشأن إمكانية ارتفاع أسعار الذهب على المدى القريب بعدما تبيّن أن صناديق التحوّط خفّضت ما كان رهانات تصاعدية بنسبة 74% في غضون أسبوعين فقط. وفيما بدأت تتلاشى الظروف الداعمة المتمثلة في تغطية المركز المكشوف، استنتجنا أن ارتفاع أسعار الذهب بحاجة متزايدة لأساسيات الدعم.
وفضلاً عن الزيادة المطردة في المقتنيات عبر الصناديق المتداولة في البورصة المدعومة بالذهب، لعبت الحركة العكسية المذكورة أعلاه بشأن أسعار الدولار، وليس أقلها مقابل الرنمينبي الصيني، دوراً مهماً في المساعدة على دعم الارتداد القوي الذي أثر على المعدن الأصفر من وجهة نظر فنية، وتركه أمام مستويين رئيسيين للتركيز عليهما على المدى القصير.
وبعد المقاومة التي واجهها عند 1240 دولار للأونصة، والتي تمثلت في الارتداد بنسبة 38.2% لعمليات البيع الواسعة في الفترة بين شهري أبريل وأغسطس، عاد الذهب للمواجهة ووجد الدعم عند 1211.6 دولار للأونصة، وهو الخط الأول في الرمال وفقاً للرسم البياني أدناه. ونحافظ على توقعاتنا المتفائلة بارتفاع أسعار الذهب، ولن يتسلل إلينا القلق بشأن أي عملية تصحيح أعمق إلا في حال انخفضت الأسعار دون 1192 دولار للأونصة.
ونظراً لارتباطهما العكسي، لن يسهم ضعف الدولار بدعم أسعار الذهب وحسب، وإنما سيعزز طلب المستهلكين من الأسواق الناشئة والمصارف المركزية التي عانت من قوة الدولار. ومع ذلك، ستساعد الانتخابات النصفية الأمريكية في تحديد توجهات الدولار والذهب. وفي حال جاءت النتائج مخالفة للتوقعات الحالية، وخسر ترامب كلاً من مجلس الشيوخ والكونغرس، فإن جدول أعماله الداخلي سيصاب بالشلل. وبدلاً من ذلك، يرجح أن يحوّل تركيزه نحو جدول أعماله الدولي. وقد يدفع تصريحه بشأن سهولة خوض الحرب التجارية والفوز فيها نحو انخفاض الرغبة بالبحث عن حلول مع الصين.