من المتوقع أن يواصل الاقتصاد القطري صموده أمام تراجع أسعار النفط. وقد شهدت أسواق النفط الدولية تصحيحات كبيرة خلال الأسابيع الأخيرة حيث انخفض سعر خام برنت بنسبة 43% من 115 دولار للبرميل في شهر يونيو إلى حوالي 56 دولار حاليا. وهناك توقعات على نطاق واسع بأن تتعافى أسعار النفط بشكل تدريجي بمجرد استيعاب الفائض الحالي في العرض (حسب بنك قطر الوطني).
وحيث تتوفر لدولة قطر مصادر كافية للاستمرار في تنفيذ برنامجها الاستثماري في البنية التحتية، وبالتالي، ستواصل هذه الاستثمارات الضخمة تحفيز النمو في القطاع غير النفطي وتؤدي إلى تحقيق مزيد من التنويع الاقتصادي مستقبلا.
إن العامل الرئيسي الذي أدى إلى تراجع أسعار النفط خلال الأسابيع الأخيرة هو ذلك التحول الصعودي في التوقعات بحدوث فائض في العرض خلال عام 2015 مقترناً بمستوى طلب منخفض بأكثر مما هو متوقع، خصوصا في الصين. وقدّرت وكالة الطاقة الدولية خلال شهر يوليو أن يشهد سوق النفط العالمي فائضا في العرض بحوالي 0,1 مليون برميل يوميا في المتوسط خلال سنة 2015. غير أنها رفعت، في تقريرها الأخير تقديراتها لوفرة العرض إلى 1,3 مليون برميل يوميا مدفوعة بتوقعات بانخفاض الطلب وارتفاع العرض.
أولا، تعزى توقعات تراجع الطلب على النفط في عام 2015 إلى انخفاض النمو العالمي بشكل أكبر من المتوقع. وقد تم تخفيض توقعات الطلب على النفط من جانب اقتصادات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بمقدار 0,4 مليون برميل يوميا منذ شهر يوليو بشكل يعكس الركود الحالي في اليابان والتعافي البطيء لمنطقة اليورو. أما بخصوص الأسواق الناشئة، فقد أدى التباطؤ الاقتصادي في الصين إلى تخفيض توقعات الطلب العالمي بـمقدار 0.3 مليون برميل في اليوم.
توقعات العرض والطلب على النفط لعام 2015 (مليون برميل في اليوم)
ثانيا، فيما يتعلق بالعرض، فإن التوقعات بحدوث وفرة في المعروض ناجمة عن رفع الانتاج من طرف دول منظمة الأوبك وارتفاع الانتاج في الولايات المتحدة. وبحسب وكالة الطاقة الدولية، ارتفع إنتاج منظمة الأوبك بـمقدار 0,4 مليون برميل يوميا خلال الفصل الثالث من سنة 2014 ويرجع ذلك بالأساس لاستئناف الانتاج في ليبيا. وخلال اجتماعها في شهر نوفمبر، قررت الأوبك عدم خفض سقف انتاجها الحالي وهو 30 مليون برميل يوميا، وبالتالي عززت التوقعات بحدوث وفرة في العرض في سنة 2015.
وفي نفس الوقت، شهد الإنتاج في الولايات المتحدة ارتفاعا بشكل أسرع من المتوقع حيث رفعت وكالة الطاقة الدولية من توقعاتها للإنتاج الكلي في الولايات المتحدة بـ مقدار 0,5 مليون برميل في اليوم منذ شهر يونيو. ويرجع ذلك بالأساس إلى استخدام التكنولوجية الجديدة في استخراج النفط الصخري. ونتيجة لذلك، ارتفع اجمالي الانتاج من النفط الخام في الولايات المتحدة بنسبة 67% وذلك من متوسط 5,6 مليون برميل يوميا في عام 2011 إلى 9,4 مليون برميل في اليوم متوقعة في 2015. وجاء معظم هذا الارتفاع من حقول الصخر الزيتي.
مستقبلا، يتوقع أن تتعافى أسعار النفط تدريجيا لسبب يعود جزئيا لكون أن انخفاض الأسعار سيؤدي إلى تحفيز الطلب أكثر ويكبح الاستثمارات الجديدة في انتاج النفط. وتعتبر حقول الصخر الزيتي في الولايات المتحدة المنطقة الأكثر تعرضا لإمكانية خفض الاستثمار حيث تكون تكلفة الانتاج مرتفعة أكثر مما هي عليه في الحقول التقليدية. وحسب مورغان ستانلي، فإن متوسط تكلفة إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة يصل إلى حوالي 68 دولار للبرميل (71 دولار للبرميل بتعديلها وفقاً لفروق خام برنت – غرب تكساس الوسيط)، وهي تكلفة أعلى بكثير من تكلفة الحقول التقليدية. كما أن تكلفة الإنتاج في بعض حقول الصخر الزيتي تصل لما يقارب 100 دولار للبرميل. وفي ظل الأسعار الحالية للنفط، فإن جزءا كبيرا من انتاج النفط الصخري غير مجدي تجارياً مع وجود احتمال كبير بتقليصه.
غير أن خطوة مثل خفض الإنتاج يتوقع لها أن تستغرق وقتا طويلا حيث وصل العمل في عدد من المشاريع التي تم التخطيط لبدء الإنتاج فيها خلال عام 2015 إلى مراحل جد متقدمة ويصعب وقفها. إلى جانب ذلك، تشهد تكلفة الإنتاج انخفاضا، كما أن الشركات قد تكون لديها تحوطات مالية لمثل هذه الطوارئ أو أنها قد تحاول الصمود في وجه العاصفة بانتظار ارتفاع الأسعار مستقبلا. لكن، إذا ظلت أسعار النفط منخفضة، فمن المحتمل أن يضطر المنتجون الذين يتحملون تكاليف مرتفعة إلى تعليق بعض الأنشطة وهو ما سيؤدي إلى خفض الإنتاج ابتداء من النصف الثاني من 2015. ومن شأن هذا الأمر تقليص فائض العرض في أسواق النفط العالمية والدفع نحو التعافي التدريجي للأسعار مستقبلا.
ومن المتوقع أن يكون لتراجع أسعار النفط تأثير ضئيل على دولة قطر. ويُنتظر أن يستمر نمو الناتج المحلي الحقيقي للقطاع غير النفطي في نسقه التصاعدي حيث تقوم الحكومة بتنفيذ برنامجها الاستثماري الطموح استعدادا لتنظيم كأس العالم 2022. وبينما سيؤدي تراجع أسعار النفط حتما إلى انخفاض صادرات وعائدات قطاع النفط والغاز، فإن الحكومة تملك مصادر وفيرة لتمويل برنامجها الاستثماري. ونتيجة لذلك، تظل الآفاق الكلية للاقتصاد إيجابية في ظل مساعي متواصلة لتنويع الاقتصاد وبالتالي تقليص الاعتماد على قطاع النفط والغاز.
خلاصة القول، رغم انخفاض أسعار النفط خلال الأشهر الستة الماضية، نتوقع تعافي تدريجي للأسعار ابتداء من عام 2015. وينبني هذا الأمر على التصحيحات التي من المحتمل أن تطرأ على العرض في بعض الحقول النفطية ذات تكلفة الإنتاج المرتفعة وخصوصا في الولايات المتحدة. وحتى مع تراجع أكبر لأسعار النفط، وهو أمر مستبعد، فإن دولة قطر لديها إمكانيات كافية لتمويل برنامجها الاستثماري الطموح بالكامل.