الدوحة – قطر
تطمح دولة قطر إلى جعل السياحة محركا رئيسا لنموها الاقتصادي، واستقطاب ما يزيد على 7 ملايين زائر سنويا بحلول العام 2030، كجزء من استراتيجيتها للتنويع الاقتصادي، بعيدا عن الاعتماد الكلي على قطاع الطاقة الذي ظل لسنوات طويلة وحده المحرك الأساس لهذا النمو.
وتشمل الأهداف السياحية للعام 2030 عدا عن ذلك، نمو إجمالي عائدات إنفاق السياح في قطر ليصل إلى 11 مليار دولار ارتفاعا من 1.3 مليار دولار في عام 2012، وزيادة نسبة السياح القادمين بغرض الترفيه والاستجمام إلى 64 في المائة بعد أن كانت لا تتعدى 27 في المائة في عام 2012.
أما مرحليا فتستهدف قطر الوصول في العام 2018 إلى المركز 35 عالمياً في مؤشر “القدرة التنافسية للسفر والسياحة” لترفع آنذاك مساهمة القطاع في الناتج المحلي الإجمالي إلى 3.1 مليار دولار، وتصل إلى ما مجموعه 2.4 مليون سائح دولي و1.7 مليون سائح محلي، إضافة إلى استقبال مليون سائح قادم بغرض الترفيه بحلول العام نفسه على أن يُجذب نصف هذا الرقم من خلال العروض الثقافية التي تقدمها البلاد.
وتبدو هذه الطموحات مشروعة في ظل عدد من المعطيات المحلية والخارجية، فمن جهة تتزايد وتيرة حضور الدولة في مشهد السياحة العالمية بالنظر إلى التعاون المثمر لدولة قطر مع منظمة السياحة العالمية لتأهيل الثروة البشرية في القطاع السياحي المحلي بما يتماشى معا على المعايير الدولية، وإبرام اتفاقيات التعاون وتطوير السياسات والأنظمة المرتبطة بالقطاع، والمشاركة بفاعلية في العديد من الفعاليات الإقليمية والعالمية ذات الصلة.
ويلحق بالجهود في هذا المجال، افتتاح قطر مكاتب تمثيلية في العديد من عواصم العالم من لندن إلى باريس مرورا ببرلين وإنتهاء بمدينتي الرياض وجدّة لاستقطاب السياح من دول مجلس التعاون الخليجي، وافتتاح مكتب تمثيلي آخر في سوق جنوب شرق آسيا متسارع النمو بتركيز خاص لسنغافورة وماليزيا وهونغ كونغ.
ومن جهة أخرى، تشير أرقام الهيئة العامة للسياحة الجهة المسؤولة عن هذا القطاع، إلى ازدياد عدد المسافرين من مختلف دول العالم إلى قطر خلال الأعوام الخمسة الأخيرة فقط، بنسبة 91 في المائة وبمعدل نمو سنوي متوسط بلغ 13.8 في المائة.
كما تتعزز داخليا او تتنوع المقاربات القطرية للجذب السياحي على أكثر من صعيد فثمة استثمارا ضخما في السياحة من القطاعين الحكومي والخاص يتوقع أن تصل ما بين 40 – 45 مليار دولار بحلول العام 2030، ويتم ذلك بالتوازي مع تنظيم العديد من المهرجانات والمعارض والمؤتمرات والأنشطة سنويا، للتعريف بما تزخر به الدولة من بنية تحتية حديثة ومقومات تجعلها مقصدا سياحيا رائدا في المنطقة.
ويمكن الإشارة في هذا الخضم إلى معرض قطر الدولي للسيارات، ومعرض الدوحة للمجوهرات والساعات، والعديد من المهرجانات الدورية مثل مهرجان قطر الدولي للأغذية، ومهرجان ربيع سوق واقف، والمهرجان الدولي للصقور والصيد، والفعاليات الترفيهية الحية للعائلات، بالإضافة إلى مهرجان الصيف حيث تدخل جميعها في مجال بناء قدرات القطاع وتنويع وتطوير مجموعة المنتجات والخدمات السياحية في قطر.
وفي سياق الحديث عن الاستثمارات المرتبطة مباشرة بالقطاع، تخطط دولة قطر لزيادة عدد الفنادق ومنشآت الشقق الفندقية من حوالي 107 فنادق ومنشأة للشقق الفندقية قائمة حاليا إلى 187، عبر افتتاح أكثر من 80 فندقا ومنشأة للشقق الفندقية خلال السنوات الخمس القادمة، ومن بينها 20 يتوقع افتتاحها بنهاية هذا العام ستضيف ما يقارب 4 آلاف غرفة، لحوالي 16 ألف غرفة موجودة حاليا ما يعني أن القطاع الفندقي بالدولة دخل بالفعل مرحلة غير مسبوقة من توسيع قدراته.
ويتوقع القائمون على قطاع السياحة، أن يلعب الترويج والتخطيط الجيد للسياحة، فضلا عن تنويع اقتصاد البلاد، دورا في توسيع رقعة الاقتصاد، وتعزيز مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي، وزيادة عدد الشركات الصغيرة والمتوسطة، وتشجيع المبادرات الخاصة وريادة الأعمال، وإعطاء دور أكبر للقطاع الخاص في الاقتصاد.
كما ينظرون إلى السياحة كقطاع أوسع من أن يحصر في الاستجمام والترفيه، وبالتالي شموله قطاع الأعمال والرعاية الصحية والاستجمام، والرياضة، والسياحة البيئية، والسياحة التعليمية، وهي قطاعات تتمتع قطر بمقومات النجاح والتميز فيها، بعد أن أصبحت وجهة للأعمال معترفا بها وحائزة على جوائز متعددة.
ومع أن البعض يرى أن القطاع السياحي بالدولة لا يزال في مراحل التطوير الأولية فإن أرقام الهيئة للسنة الماضية وحدها، توضح مدى التطورات المهمة التي يشهدها القطاع، إذ استضافت قطر أكثر من 2.8 مليون زائر في العام 2014، وهو ما يشكل نموا بنسبة 8.2 بالمئة مقارنة مع معدل النمو خلال عام 2013.
كما شكلت نسبة الزائرين من الدول الخليجية 40 بالمئة من إجمالي عدد الزائرين لعام 2014، وشكلت نسبة الزائرين من مختلف الدول الآسيوية وجنوب غرب المحيط الهادئ 28 بالمئة، ووصلت نسبة الزائرين من أوروبا إلى 15 بالمئة خلال نفس العام.
وفضلا عن ذلك نمت أعداد الزيارات إلى دولة قطر من مختلف أنحاء العالم خلال السنوات الخمس الماضية، فمنذ العام 2009، أظهر سوق الزائرين الآسيويين ومن أوقيانوسيا إلى دولة قطر نموا بنسبة 107 بالمئة، كما أظهر سوق الزائرين الخليجيين نمواً بنسبة 102 بالمئة، وشكل نمو سوق الزائرين الأوروبيين إلى دولة قطر نسبة 82 بالمئة خلال نفس الفترة.
وعلاوة على ذلك يساهم القطاع السياحي حاليا وبصورة مباشرة بقيمة 13.6 مليار ريال (3.7 ملياردولار) في الناتج المحلي الإجمالي لدولة قطر خلال العام 2013، ما يمثل بدوره نسبة 4 بالمئة من الاقتصاد الوطني غير النفطي.
ويصل إجمالي مساهمة القطاع إذا أخذت في الاعتبار التأثيرات غير المباشرة، إلى 28 مليار ريال (7.6 مليار دولار)، أي ما يمثل نسبة 8.3 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي للاقتصاد الوطني غير النفطي، ويؤثر القطاع وبشكل كبير على سوق العمل المحلي، حيث يوفر 61 ألف وظيفة داعمة للقطاع بشكل مباشر.
وقد ترافق مع هذا النمو تحقيق الفنادق في دولة قطر أداء قويا خلال العام نفسه بارتفاع نسب الإشغال في مختلف فئاتها حيث وصل متوسط معدل إشغال الفنادق نسبة 73 بالمئة في عام 2014، مقارنة بنسبة 65 بالمئة خلال العام 2013.
ونال قطاع الفنادق ذات الخمس نجوم النصيب الأكبر من المنجزات، حيث ارتفع معدل الإشغال لديها من نسبة 61 بالمئة خلال العام 2013 إلى نسبة 71 بالمئة خلال العام 2014، وانعكست هذه المنجزات ارتفاعا في عائدات القطاع بشكل عام.
وارتفع متوسط العائد على الغرفة بنسبة 8.3 بالمئة خلال العام 2014 بظهور الأداء القوي خاصة لدى الفنادق ذات الخمس والثلاث نجوم، حيث حققت الأولى نسبة عائدات على الغرفة وصلت إلى 9.5 بالمئة وحققت الثانية نسبة عائدات على الغرفة وصلت إلى 15.5 بالمئة.
وقد احتلت الفنادق ذات الخمس نجوم، الصدارة في توفير الغرف فوفرت ما مجموعه 7748 غرفة من مجموع هذا الصنف من الفنادق الذي يشمل 33 فندقا، وتتوقع قطر نموا في عدد الزيارات من مختلف أنحاء العالم، ومن المتوقع أن يرفده التجهيز لاستضافة الفعاليات الكبرى كاستضافة بطولة كأس العالم لكرة القدم عام 2022.
وتشير هذه الأرقام في مجملها إلى أن قطاع السياحة القطري أظهر في 2014 بشكل عام، نمواً متواصل أو تحسنا في جميع المؤشرات الرئيسية لقطاع السياحة مقارنة مع العام 2013، كما تعكس في الوقت نفسه حقيقة الجهود الكبيرة التي تبذلها الدولة ممثلة في الهيئة العامة للسياحة لجعل قطر وجهة سياحية تفخر بجذورها الثقافية.
ويمكن القول، إن هذا التحول الكبير الذي يشهده القطاع يعود بالأساس إلى مرتكزين مهمين الأول هو إطلاق الهيئة العامة للسياحة رسميا عام 2007، بغية تحقيق نمو مستدام للقطاع في الدولة والترويج لقطـر كوجهة سياحية عالمية فريدة للتجارة والأعمال والتعليم والرياضة والترفيه في المنطقة، فضلا عن سن التشريعات وتوفير مجالات للاستثمار السياحي وتشجيع الاستثمار المحلي لإقامة المشروعات السياحية.
وتسعى الهيئة جاهدة إلى تطوير وتعزيز صناعة السياحة القطرية من خلال الخطط والسياسات والنظم الشاملة وآليات التنسيق مع أصحاب العلاقة وتطوير محفظة قطر من الخدمات والمنتجات السياحية مع التركيز على قطاع المؤتمرات والمعارض والأعمال والسياحة الثقافية وسياحة المدن وتسويق وترويج الوجهة السياحية لقطر.
وتقوم رؤيتها على قيادة تنمية السياحة في قطر بشكل مستدام لتصبح وجهة سياحية عالمية بهدف تحقيق النمو الاقتصادي والتنمية الاجتماعية، وتلتزم بالتطوير المستدام من خلال الابتكار والسعي المتواصل لتكون في مركز القيادة الرئيسي للقطاع السياحي من خلال اعتمادها أحدث الدراسات والأبحاث، وتقنيات التسويق التكنولوجية.
ومع وجود رؤية عميقة لقطاع السياحة، وارتفاع مستوى التوقعات لقدرة الهيئة العامة للسياحة على تحقيق إنجازات تجعل دولة قطر وجهة سياحية رائدة لتسهيلات الأعمال والتجارب الأصيلة والترفيه العائلي، وتنمية الثروة البشرية في القطاع السياحي وتعزيز مهارات العاملين في القطاع ومستوى الخدمات التي يقدمونها، تكون الهيئة حققت تقدما ملحوظا في إنجاز مهمتها، في تطوير قطاع سياحي قادر على استيعاب دور الدولة ومكانتها في استقطاب الزوار، وجعل قطر وجهة رئيسية للعائلة والأعمال.
أما الثاني فهو إطلاق قطر العام الماضي الاستراتيجية الوطنية لقطاع السياحة 2030، التي تمّت صياغتها لتكون خريطة طريق لتطوير صناعة السياحة في العقود القادمة وإرشاد الهيئة العامة للسياحة في جهودها لجعل قطر “وجهة سياحية عالمية تفتخر بجذورها الثقافية”.
وتحدد الاستراتيجية التي تعتبر من التطورات التاريخية في مسيرة القطاع السياحي بالدولة، مجموعة واضحة من الأهداف الواجب تحقيقها بحلول العام 2030 سواء من حيث أعداد السياح الذين يمكن لقطر أن تتوقعهم، وتصنيفاتهم وتوزيعهم وعدد غرف الفنادق التي يجب توفرها، وعدد الوظائف التي سيخلقها القطاع، ومساهمة قطاع السياحة في إجمالي الناتج المحلي للبلاد، أو المشاريع المخطط لإقامتها في مناطق مختلفة من البلاد ومن بينها 25 برنامجاً فاعلاً حددتها الاستراتيجية حتى الآن.
وتجيب على أكثر من 36 تساؤلا من بينها ما يتصل بطبيعة المنتجات السياحية التي ستركز عليها وكيف تستطيع قطر التنافس مع الدول الأخرى في المنطقة التي استثمرت بشكل كبير في قطاع السياحة، والطريقة التي ستؤثر بها هذه الاستراتيجية على نجاح استضافة قطر لنهائيات كأس العالم لكرة القدم 2022، فضلا عن الأدوات الضرورية لتنفيذها بنجاح وتمكين تحقيق أهدافها، ولماذا تحتاج قطر من الأساس إلى إستراتيجية لقطاع السياحة.
كما تتقصد الاستراتيجية الإجابة على تساؤل بشأن أسباب ودواعي اختيار القطريين قضاء إجازاتهم في دول أخرى في الوقت الذي نجحت فيه الهيئة في زيادة الاهتمام بالسياحة في قطر، بقولها إن المقومات السياحية لأي بلد لا تشكل سببا يحول دون سفر الناس إلى الخارج واستكشاف دول وثقافات أخرى، خاصة وأن الدول المختلفة لها مقومات سياحية ومميزات مختلفة تنفرد بها عن غيرها.
وتضيف بأن التطلع والرغبة في الاستمتاع بتجارب جديدة من خلال استكشاف دول أخرى هو أمر طبيعي وقديم قدما لإنسانية نفسها، كما أنه ليس مؤشراً على الفشل في ترويج بلد ما لمقوماته السياحية، والدليل على ذلك أن فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية والصين وبريطانيا هي بين الدول الرائدة في العالم من حيث أعداد السياح القادمة إليها، ومع ذلك فإن شعوبها هي من بين أكثر الشعوب التي تسافر إلى الخارج بغرض السياحة.
لذلك يمكن القول، إن إطلاق الاستراتيجية الوطنية لقطاع السياحة 2030، فضلاً عن كونه يشكل خريطة طريق واضحة لمستقبل القطاع، هو جزء من جهود متكاملة ودؤوبة لضمان تنمية استدامة البلاد من خلال تقليل اعتمادها على مواردها الطبيعية من النفط والغاز، وفي الوقت نفسه وضع قطر على خريطة السياحة العالمية والمساعدة على نشر ثقافة وقيم وتقاليد الشعب القطري.
كما تعتبر إستراتيجية طويلة الأمد تساعد على دفع قطاع السياحة في قطر إلى الأمام من خلال سلسلة من الخطط والبرامج والمشاريع والسياسات المحددة التي جرى تطويرها وفقا لأفضل الممارسات وبناء على عملية تشاور وطنية.
وينتظر أن يكون للعديد من البرامج والمشاريع المحددة فيها تأثيرات طويلة المدى على قطر والقطريين، وفي الوقت نفسه فإن الاستراتيجية تشتمل على أهداف متوسطة وقصيرة المدى سيشعر القطريون من خلالها بالفرق في حياتهم اليومية خلال فترة زمنية قصيرة نسبياً سواء من حيث زيادة الفعاليات والنشاطات الترفيهية وتحسن البنى التحتية، وزيادة أعداد الفنادق والمطاعم، أو زيادة الوعي العالمي بتراث قطر الثقافي وتقاليد البلاد.
وستقوم الهيئة العامة للسياحة بمراقبة تطبيق الاستراتيجية في إطار مهمتها كهيئة تشرف على تخطيط وتنظيم وتطوير والترويج لسياحة مستدامة في قطر بهدف تحقيق النمو الاقتصادي والتنمية الاجتماعية، كما ستتعاون بشكل وثيق مع جميع الجهات سواء في القطاع العام أو الخاص لضمان نجاح تطبيق الاستراتيجية طبقاً للأهداف والجدول الزمني المحدد.
ومن المهم هنا الإشارة إلى أن ما سيساعد الهيئة على القيام بدورها المرسوم في الاستراتيجية، هو أن دولة قطر تتكئ على عدد من العناصر تجعلها مؤهلة لأن تصبح وجهة سياحية مميّزة حيث تمت لك الأسواق التقليدية والمتاحف الرائعة والكثبان الرملية المطلة على شواطئ نظيفة ونقية، ومنشآت الرياضة ذات المستوى العالمي، والمتاجر الفاخرة ومنشآت المعارض والمؤتمرات المتطورة.
ويزيد من تلك الفرص أن صناعة السياحة نفسها تحولت في عالم اليوم، من غرض الترفيه وإشغال وقت الفراغ والتسوق والعلاج لتغدو صناعة قائمة بذاتها وذات طابع إنتاجي متكامل تعتمد عليها العديد من دول العالم النامية والمتقدمة في بناء اقتصاداتها وزيادة إيراداتها المادية، علاوة على دورها في عكس صورة البلد الحضارية ومساهمتها في التطوير والتنمية، وتعمل فوق ذلك على تنمية 30 قطاعا اقتصاديا متصلا بها.
لهذه العوامل مجتمعة فإن القطاع السياحي بدولة قطر يعد بتحقيق المزيد من الإنجازات خصوصا إذا تضافرت الجهود للاستمرار في إطلاق المبادرات التي من شأنها إثراء القطاع وتنويع المنتجات السياحية، الأمر الذي سيؤدي إلى استقطاب السياح من كل أنحاء العالم، ويساهم في تحقيق أهداف الاستراتيجية التي تسعى إلى ترسيخ مكانة قطر وتنويع مصادر الدخل وخفض نسب معدلات تسرب الأموال إلى الخارج وتوفير فرص العمل.