مجلة كيو بزنس Q Business Magazine:
لقد أصبح هدف الصين المتمثل في الحفاظ على النمو السريع مع العمل في نفس الوقت على تقليص الديون أمراً أكثر صعوبة من أي وقت مضى، حيث أن ضعف النمو العالمي وزيادة عدم اليقين بشأن السياسات النقدية والمالية يخلقان معوقات خارجية. وفي الحقيقة، لقد أدى ضعف الطلب الخارجي والمحلي خلال العام الماضي إلى دفع الحكومة الصينية إلى التخفيف التدريجي للسياسات النقدية والمالية. يتطرق تحليلنا الحالي إلى العوامل الأربعة التي تحدد بدقة وضع التباطؤ في الصين وكذلك التدابير المالية والضريبية التي اتخذتها السلطات لمقابلة الضعف العام في الطلب.
بشأن التباطؤ الاقتصادي الحالي:
أولاً، يلاحظ حدوث بعض التراجع في المؤشرات الاقتصادية للفترة السابقة. فقد تباطأ نمو الناتج المحلي الإجمالي في الصين خلال الفصول الأخيرة، من 6.8% في الربع الأول من عام 2018 إلى 6.5% في الربع الثالث من عام 2018، وهو أسوأ أداء ربع سنوي منذ فترة ما بعد الأزمة المالية الكبرى.
ثانياً، في حين لم تتوفر الأرقام الرسمية للربع الرابع من عام 2018 بعد، إلا أن المؤشرات الراهنة تشير إلى مزيد من التباطؤ خلال هذا الفصل. وبالنسبة لنمو مبيعات التجزئة بما فيها مبيعات السلع والخدمات عبر الإنترنت، تحوم الأرقام حول أدنى مستوياتها لعقود- أو حتى لجميع الأوقات- على أساس سنوي. وبعد شهرين من المراوحة حول مستوى 50، انخفض مؤشر مديري المشتريات الصناعي الرسمي إلى 49.4 في ديسمبر 2018 ليشير إلى أول تقلص خلال أكثر من عامين.
ثالثاً، تشير المؤشرات المستقبلية إلى المزيد من الضعف خلال الأشهر القادمة. كما كانت الطلبات الجديدة بما فيها طلبات التصدير، التي تشكل مكونات مستقبلية لمؤشرات مديري المشتريات، أيضاً عند أقل من مستوى 50.
رابعاً، تظل مؤشرات القطاع الخارجي سلبية. ويبدو الطلب العالمي على البضائع الصينية بالتحديد متباطئاً حيث جاءت البيانات السابقة من الشركاء الرئيسيين أيضاً سلبية، مما يؤكد تراجع طلبات التصدير. كما تراجعت صادرات كوريا الجنوبية وتايوان نحو الصين (13.9 و6.6% على التوالي) خلال الشهر الماضي. وبالنظر إلى أن البلدين المذكورين هما مصدرين رئيسيين لمدخلات التصنيع في قطاع الصادرات الصينية، فإن ذلك قد يعكس تلاشي تأثير ما يطلق عليه “الشحن الاستباقي” في التجارة ما بين الصين والولايات المتحدة، أي عمل الشركات في الولايات المتحدة على زيادة الواردات من الصين قبل دخول الرسوم الجمركية حيز التنفيذ. وفي حين خفت التوترات التجارية مع الولايات المتحدة بعد اجتماع ترامب مع الرئيس شي في بوينس آيرس، لايزال هناك الكثير من عدم اليقين بشأن احتمال تطبيق تعريفات إضافية على الصادرات الصينية إلى الولايات المتحدة بعد هدنة 90 يوماً التي ستنتهي في مارس 2019.
تؤثر جميع هذه العوامل على وضع التوازن المعقد التي ظلت السلطات الصينية تسعى لتحقيقه خلال العامين الماضيين. فبعد مدة طويلة من النمو الاقتصادي المدفوع بالديون، والذي يشكل مخاطر طويلة المدى على الاستقرار المالي، ظلت الحكومة تحاول كبح فائض نمو الائتمان وخفض مستوى الديون. لكن صناع القرار لا يريدون أن يؤدي خفض الديون إلى تباطؤ نمو الناتج المحلي الإجمالي إلى أقل من معدل 6% – 6.5% المستهدف. وبين الربع الرابع من 2016 والربع الأول في 2018، هدفت الضوابط التنظيمية إلى الحد من نشاط الإقراض خارج الميزانية العمومية أو الإقراض في قطاع الظل المصرفي، كما أن السياسة النقدية بشكل عام أدت إلى تشديد أوضاع السيولة المحلية. وخلال الأشهر الأخيرة، أدى تراجع الطلب إلى اتجاه الميزان أكثر نحو الحفاظ على النمو الاقتصادي.
وفيما يتعلق بالسياسة النقدية، ظل بنك الشعب الصيني (البنك المركزي الصيني) يستخدم العديد من الأدوات لتخفيف نقص السيولة. فبعد أن ظل البنك المركزي الصيني يتبع بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي في معظم جولات رفع الفائدة من خلال القيام برفع أسعار الفائدة على اتفاقيات إعادة الشراء المعاكس في عمليات السوق المفتوحة لمدة 7 أيام بين يناير 2017 ومارس 2018، إلا أنه لم يتحرك مؤخراً على الرغم من قيام بنك الاحتياطي الفيدرالي بثلاث جولات إضافية من رفع أسعار الفائدة. وساهم قيام بنك الشعب الصيني بضخ أموال عبر عمليات السوق المفتوحة في تخفيض متوسط سعر الفائدة المتفق عليه لسبعة أيام بين البنوك على اتفاقيات إعادة الشراء في الأشهر الأخيرة. وعلاوة على ذلك، تم تخفيض نسب الاحتياطي المطلوبة من البنوك، وهي أداة هامة لإدارة معروض النقد، بواقع 350 نقطة أساس منذ مارس عام 2018، بما في ذلك الإجراء الأخير الذي تم اتخاذه في 4 يناير 2019. ويُضاف ذلك إلى قرار البنك المركزي الصيني المتخذ في ديسمبر 2018 بإنشاء تسهيلات الإقراض المستهدفة متوسطة الأجل (TMLF). ونظراً لانخفاض معدلات الفائدة وطول آجال استحقاق هذا النوع من التسهيلات مقارنةً بغيرها، فإنها ستزود البنوك بتمويل إضافي لتعزيز الائتمان المقدم للقطاع الخاص، خاصة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة.
أما فيما يخص السياسة المالية، فإن المبادرات الجديدة تخلق وضعاً يوفر قدراً أكبر من الدعم، فمنذ أبريل 2018، أعلنت الحكومة عن تخفيض معدلات ضريبة القيمة المضافة وضرائب الضمان الاجتماعي، إلى جانب الإعلان عن تخفيضات ضريبية للأفراد في مختلف مستويات الدخل ورفع حدود الدخل المعفي من الضريبة. ومن المتوقع أن تؤدي جميع هذه الإصلاحات إلى زيادة إنفاق القطاع الخاص.
في الجانب شبه المالي، بعد بداية منخفضة في الربعين الأولين من عام 2018، أصدرت الحكومة المركزية توجيهاً للحكومات المحلية بتسريع إصدار سندات خاصة جديدة تستهدف احتياجات التمويل الخاصة، مثل تطوير الأراضي. ويدعم هذا الإجراء تحقيق الاستقرار وحتى الانتعاش الطفيف في نمو الاستثمار في البنية التحتية. ومن المتوقع أن يستمر التحول إلى التيسير في المواقف النقدية والمالية للصين مع تباطؤ الطلب المحلي والخارجي، وتكون السياسة المالية ذات أهمية خاصة بالنظر إلى قوة الميزانية العمومية للحكومة الصينية وتحسن إدارة الضرائب في السنوات الأخيرة.
وبشكل عام، من المتوقع أن تخلق السياسات الداعمة أرضية ملائمة لنمو الناتج المحلي الإجمالي بحوالي 6% على أساس سنوي لعام 2019.
(المصدر: QNB)