(بقلم المدير العالم ورئيس التحرير محمود محمد دياب)
ارتفعت الخسائر المتراكمة في مصرف لبنان إلى 7 مليارات دولار، منذ بداية هذا العام ولغاية منتصف شهر إبريل/نيسان الحالي. وكشفت بعض المصادر خروج 7.5 مليار دولار من الودائع في المصارف اللبنانية خلال شهري يناير/كانون الثاني وفبراير/شباط الماضيين. وكذلك تم الحديث عن خروج مليارات أخرى من ودائع المصارف اللبنانية من أول مارس/ آذار الماضي ولم يجرِ تدقيقها بعد، كل هذا مع سكوت مريب من السلطة الرسمية وتعتيم غريب من المصارف.
وحسب بيانات تقرير جمعية المصارف اللبنانية، فإن الدَّين العام الخارجي للبلاد بلغ 91 مليار دولار، نهاية 2019، وأن السندات الحكومية، تمثل عصب هذا الدين بنسبة تصل إلى 94%، وهو الأمر الذي يجعل التفاوض أمراً صعباً، فالدين عبر اليوروبوند، يتم من خلال أسواق المال وبعيداً عن آليات الاتفاقيات الثنائية مع الحكومات أو المؤسسات المالية الدولية.
كل هذا أدى إلى انفجار الوضع وخروج احتواء الدولار عن السيطرة حيث تجاوز سعر الصرف أكثر من 4000 ليرة لبنانية (حتى تاريخ كتابة هذا المقال)، وهو ما فجر مفاجأة أتت على لسان رئيس الحكومة السيد “حسان دياب”، الذي أطلق مواقف وإجراءات راديكالية غير مسبوقة، ترتقي بمضمونها إلى مستوى انقلاب هو الأول من نوعه في تاريخ لبنان المعاصر، حيث حمّل خصومه السياسيين ممثَلين بشخص حاكم مصرف لبنان السيد “رياض سلامة” مسؤولية الانهيار المالي والنقدي الحاصل في البلاد.
لم يحمّل السيد “دياب” أركان الشبكة الحاكمة المسؤولية عن استشراء الفساد والإهدار خلال السنين الثلاثين الماضية، بل ركّز على حاكم مصرف لبنان كونه مسؤولاً عن السياسة النقدية، التي تسبّبت بتدهور سعر صرف الليرة اللبنانية ودعاه “ليخرج ويعلن للبنانيين الحقائق بصراحة، ولماذا يحصل ما يحصل، وما هو أفق المعالجة، وما هو سقف ارتفاع الدولار؟”
لا يخفى على الرئيس “دياب” في القرارات الراديكالية المعلنة، أن خصومهم السياسيين المتضررين ليسوا ضعفاء، لا في الشارع ولا في مؤسسات السلطة، وأنهم سيحاولون بشتى الوسائل الحؤول دون إقرار مشاريع القوانين الرامية إلى استعادة الاموال المنهوبة وملاحقتهم جزائياً، وأن لا ضمانة لقيام مجلس النواب بإقرار القوانين الراديكالية المطلوبة، لذا فما الحل؟
بدايةً، ما المشكلة؟ إن الأزمة الاقتصادية هي، في جوهرها، أزمة حوكمة مُنبثقة من نظام طائفي يعاني من خلل بُنيوي، بما حال دون صنع سياسات عقلانية، وسمح بانتشار ثقافة الفساد والهدر. وقد عاشت البلاد، وفي مقدّمتها القطاع العام، بقدرات تتجاوز إمكاناتها. وبعد مرور عقود على اعتماد هذا النموذج، كانت النتيجة اقتصاداً شديد المديونية، وقطاع مصرفي منتفخ وهش، لذا يُختصر الحل فيما يقترحه أهل القانون وخبراء الاقتصاد في التعجيل بإحالة مشاريع القوانين الإصلاحية الراديكالية إلى مجلس النواب لبتّها، ووضع قانون انتخاب جديد، خلال مدة وجيزة ليكون محور الإصلاح الأساس، والضغط شعبياً لإقراره في مجلس النواب.
ثم إيجاد أجندة وطنية لاستقدام استثمارات أجنبية مباشرة، لا تعتمد على المضاربة في العقارات والمشروعات السياحية، وإنما تتجه لبناء قاعدة إنتاجية حقيقية، ووجود قطاع خدمي له قيمة مضافة. وأخيراً السير بمقترحات مؤتمر سيدر، الذي إن تم الالتزام بشروطه سيوفر قروضاً تصل إلى 10.2 مليارات دولار معظمها قروض ميسّرة، إضافة إلى هبات بقيمة 860 مليون دولار، تصبّ بمعظمها في صندوق لدعم فوائد القروض التي سيحصل عليها لبنان.هذه القروض تمتد على سبع سنوات، وبعضها رهن بشروط معيّنة، أو بإثبات جدوى المشاريع المقدّمة من الحكومة اللبنانية لإنعاش اقتصاد البلاد.