تواجه سياسات خصخصة مؤسسات القطاع العام التي انتهجتها السعودية مؤخرًا، موجة انتقادات داخلية واسعة. وبحسب التعليقات على موضوع الخصخصة نشره موقع “أرقام” الإلكتروني، قال مشاركون إن الخصخصة لا تناسب بلادهم بسبب انعدام المنافسة ووجود الاحتكار، مما يجعل المستهلك هو الضحية الأولى. وبدأت السعودية العمل على خصخصة 10 قطاعات لمواجهة تراجع أسعار النفط، المصدر الرئيسي للدخل في البلاد. وكانت صحيفة «الجارديان» البريطانية قد قالت إن ولي العهد السعودي «محمد بن سلمان» أطلق مارثون «البيع الكبير» لأصول المملكة، إذ علقت لافتة «للبيع» على جميع القطاعات الاقتصادية في المملكة تقريبا، في خطوة أرجعتها إلى رغبة الأمير الشاب في تأمين العرش لنفسه. لكن الصحيفة البريطانية أوضحت، عبر تقرير لها، أن خطوة «بن سلمان» تلك محفوفة بالمخاطر، إذ تواجه 5 تحديات تهدد بفشلها، وتشمل غياب الرؤية الواضحة لخطة الخصخصة، والإطار القانوني والتنظيمي لها، فضلا عن تطبيقها في اقتصاد عالق في عقلية العائدات الريعية منذ ثلاثينيات القرن الماضي. كما تواجه خطط الخصخصة تحديات من قبيل مقاومة رجال الدين لبعض جوانبها، والنظرة السائدة في المملكة التي تعتبر بعض القطاعات جزءا لا يتجزأ من النسيج الاجتماعي والثقافي للبلاد، ومن ثم لا تقبل بخصخصتها، فيما يعتبر بعض السعوديين خطة الخصخصة تخليا عن موروث وطني أكثر منه صفقة اقتصادية. واتخذ أحد المشاركين شركة الكهرباء مثالًا، وقال إنها لا تجد منافسة مما يجعلها متدنية الجودة، مشيرًا إلى الارتفاع المتواصل في الأسعار. فيما يرى أن خصخصة شركة المياه جعلتها في غاية السوء وظلم المستهلكين بفواتير عالية وغير صحيحة. وعلق مشارك آخر بأن الخصخصة “تضع المواطن تحت جشع رجال الأعمال وشركات المتاجرة بالبشر، فالكل يبحث عن مصلحته سواء كان تاجرا أو وزيرا أو مكلفا، كلهم شر على المواطنين وأخشى من عواقبها الوخيمة”. واعتبرت «الجارديان» أن «ثمة تحول اقتصادي هائل في المملكة»، إذ بدأت في خصخصة أصول الدولة، التي تتخطى بمراحل «ثورة تاتشر الاقتصادية» في ثمانينيات القرن الماضي، بل تنافس قيمة أصول الاتحاد السوفييتي المتفكك في تسعينيات القرن الماضي من حيث الحجم والأهمية. فقد علقت السعودية لافتة «للبيع» على جميع القطاعات الاقتصادية تقريبا، بما في ذلك قطاعات البترول، والكهرباء، والمياه، والمواصلات، وتجارة التجزئة، والمدارس، والرعاية الصحية. بل حتى نوادي كرة القدم في المملكة عرضت للبيع. وأشار أحد المعلقين في موقع “أرقام” إلى عدم استفادة الدولة والمواطن من تخصيص شركة الاتصالات، فيما طالب آخر بتحويل المنشآت المراد تخصيصها إلى صندوق الاستثمارات العامة، وبالتالي إدارتها بطريقة بعيدة عن البيروقراطية، وتصبح أصولا ملك الصندوق ومدرة للأرباح. وعلق بأن “الخصخصة عندنا تأخذ أسوأ ما بالاشتراكية وأسوأ ما بالرأسمالية”.
لكن الصحيفة رأت أن تطبيق مثل هذه الخطة ليس أمرا بسيطا بالطبع، إذ إن اقتصاد المملكة عالق في عقلية العائدات الريعية منذ ثلاثينيات القرن الماضي عندما تولى حكم البلاد «آل سعود»، وتم اكتشاف البترول، وهذا هو التحدي الأول لعملية الخصخصة في السعودية.
تحديا ثانيا أضافته «الجارديان» لخطة الخصخصة المتسارعة في المملكة، إذ لا تتوفر الصورة الجلية للطريق الذي ستسلكه المملكة. فثمة أسئلة دائما ما تثار حول الدوافع الحقيقية لهذه الخطة، وكذلك الأطر القانونية والتنظيمية التي ستحكم هذه الخطة، بالإضافة إلى الشكل الذي ستتم به عملية الخصخصة، هل سيكون طرحا للاكتتاب العام، أم صفقات خاصة لنقل الملكية، أم مبيعات تجارية لغير السعوديين؟ لكن بقدر ما هنالك من فرص متاحة للخصخصة، هناك أيضا بعض المشكلات الخطيرة المرتبطة بعملية بيع أصول طالما نظر إليها على أنها جزء لا يتجزأ من النسيج الاجتماعي والثقافي للبلاد، وهو التحدي الثالث الذي يواجه خطة الخصخصة في المملكة. كما أن هناك عقبات أخرى لا بد من التغلب عليها. فبعض السعوديين، وليس فقط المحافظون منهم، انتقدوا خطة الخصخصة باعتبارها تخليا عن موروث وطني أكثر منه صفقة اقتصادية، أو بمثابة الطلب منهم بيع شيء هم يملكونه بالفعل، وهذا هو التحدي الرابع. ويتشابك إصلاح الطريقة التي يعيش بها السعوديون مع تغيير طريقة عملهم. فرغم الحماس بين العديد من القطاعات في المجتمع، هناك استياء واسع النطاق بين المجتمعات الأخرى على نطاق الخطط والرؤى. واختتمت «الجارديان» تقريرها معتبرة أن «ما قد يؤول إليه هذا التحول (برنامج الخصخصة) عظيم، لكن مخاطر الفشل قد تثنيك عن ابتغائه»، لافتة إلى أن «التحديات بدأت تظهر، وها هو الأمير الشاب يكرس مملكته لمواجهتها».