كيوبزنس QBusiness:
“هذا هو يوم (استقلال) لبريطانيا”.. هكذا صرح “نايجل فاراج” زعيم حزب الاستقلال البريطاني منذ عام مضى عندما صوتت غالبية البريطانيين لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي، وستباشر بريطانيا رسميا عملية الانفصال التاريخية عن التكتل الذي انضمت إليه بتحفظ قبل 44 عاما، ويتطلب الأمر عامين من المفاوضات الصعبة قبل الانفصال التام الذي سيكتمل في 2019. وكان يوم الاستفتاء 23 يونيو من العام الماضي يوما مشهودا في تاريخ بريطانيا والاتحاد الأوروبي، فقد صوت 52% من البريطانيين لصالح الانسحاب من الاتحاد مما أثار مخاوف من أن يؤدي هذا الخروج، الذي أصبح يطلق عليه مصطلح “بريكست” وهي الكلمة الإنجليزية التي تعني خروج بريطانيا، إلى تفكك المملكة المتحدة وكذلك الاتحاد الأوروبي، وغير ذلك من التداعيات الاقتصادية والتجارية على بريطانيا والعالم. وكانت المفوضية الأوروبية رفضت حتى الآن الحديث عن اتفاق مستقبلي مع بريطانيا إلى حين “إحراز تقدم كاف” في العديد من القضايا الرئيسية ومن بين هذه القضايا مستقبل 3.2 مليون مواطن أوروبي في بريطانيا و نحو 100 مليار يورو (118 مليار دولار)، تقول بروكسل إن الحكومة البريطانية مدينة بها لصالح التكتل الأوروبي. ومن المقرر أن تغطي الورقات التي ستصدر هذا الأسبوع خمسة مجالات تتمثل في الآتي: “التعاون القضائي المدني – سرية الوثائق الرسمية والمعلومات المتبادلة مع الاتحاد الأوروبي- السلع والخدمات في السوق تدفق البيانات بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي – الاختصاص القضائي لمحكمة العدل في الاتحاد الأوروبي”.
الاتحاد الجمركي
وأكدت بريطانيا، أن عضويتها في الاتحاد الجمركي الأوروبي التي تسمح بنقل البضائع دون رسوم جمركية ستنتهي عام 2019، كما ستنتهي عضويتها في السوق الأوروبية المشتركة بخروجها من التكتل بعد عامين، لكن الحكومة البريطانية أعلنت أنها تنوي التفاوض بشأن إقامة “اتحاد جمركي مؤقت” مع الاتحاد الأوروبي بعد خروجها منه، وقالت إنها تتطلع إلى التوصل لاتفاق بهذا الشأن من أجل توفير جو من الاستقرار لقطاع الأعمال والسماح بوضع ركائز الإجراءات الجمركية الجديدة. كما أعلنت لندن في بيان لها أن “إقامة اتحاد جمركي مؤقت” بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي سيشكل إحدى المقاربات الممكنة، فيما حذر خبراء أوروبيون من أن التفاوض بشأن اتفاق تجاري جديد بين الطرفين سيكون صعبا جدا قبل خروج بريطانيا من التكتل، لا سيما وأن “بروكسل” ترفض حتى الساعة بدء محادثات تجارية. وسبق أن رهنت بروكسل تحقيق أي تقدم في مفاوضات “بريكست” بالتزام بريطانيا بتعهداتها لميزانية الاتحاد، الذي يطالبها بدفع مستحقات تقدر ما بين “ستين ومائة مليار يورو” في مساهماتها بميزانية الاتحاد حتى بعد انسحابها منه بحلول مارس 2019، وكان كبير المفاوضين الأوروبيين “ميشيل بارنيي” قد أبلغ الدبلوماسيين الأوروبيين بأن تحقيق أي تقدم في مفاوضات بريكست مرهون بتسوية قضايا متعددة على رأسها التزامات بريطانيا المالية، حيث تمثل قضية “الدفعات المالية لبروكسل” مشكلة لحكومة تيريزا ماي التي تشهد انقسامات داخلية بشأن استراتيجيتها للتفاوض بخصوص الانسحاب من الاتحاد الأوروبي.
ويقول الاتحاد الأوروبي إنه يجب التوصل إلى إطار للاتفاق يتناول 3 مواضيع أساسية هي التسوية المالية البريطانية وهي كلفة خروج بريطانيا من الاتحاد، وحقوق المغتربين الأوروبيين في بريطانيا والبريطانيين في الاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى مسألة الحدود بين إيرلندا الشمالية التابعة لبريطانيا وجمهورية إيرلندا. ويمس هذا الأمر مصير ثلاثة ملايين من مواطني الاتحاد الأوروبي في بريطانيا، وكذلك تسعمائة ألف بريطاني يعيشون في دول الاتحاد الأوروبي، وفي أسوأ الحالات سيكون هؤلاء مجبرين على التخلي عن جنسيتهم، وبالتالي قد يفقدون حقهم في الرعاية الصحية والتقاعد في بلدهم بريطانيا، ومن المقرر أن تنشر بريطانيا مقترحاتها بالنسبة إلى مسألة الحدود، قبل انعقاد جولة ثالثة من مفاوضات بريكست في بروكسل نهاية الشهر الجاري. ويرى مسؤولون بريطانيون، أن مسألة الحدود مرتبطة بشكل وثيق بمسألة الجمارك، وبعد بريكست ستكون الحدود الإيرلندية هي الحدود البرية الوحيدة بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي، وتسود مخاوف من أن تؤدي إعادة تفعيل نقاط التفتيش إلى الإخلال بالتوازن الهش للسلام في إيرلندا الشمالية.
اتفاقيات خاصة
تمنع عضوية بريطانيا في الاتحاد الجمركي الأوروبي، لندن من إبرام اتفاقيات تجارية خاصة بها، فيما أعلنت الحكومة أن تمتعها بتلك الحرية ضروري لمشاريعها بعد بريكست، وقالت لندن إنها ستسعى خلال الفترة المؤقتة التي سيتم التفاوض بشأنها مع بروكسل، إلى التفاوض بشأن علاقات تجارية جريئة حول العالم، وأضافت في بيان أن هدفها هو التوصل إلى علاقات تجارية سلسة مع الاتحاد الأوروبي، إلى جانب القدرة على إبرام اتفاقيات تجارية حول العالم. لكن النائب العمالي البريطاني المعارض “كريس ليسلي” شكك في ذلك، وقال إن الاقتراح هو مجرد أحلام وأمنيات، وأضاف ” إنه ضرب من الخيال أن ندعي بأنه يمكننا التوصل إلى علاقات تجارية تكون بأسلس ما يمكن مع أكبر شركائنا، في وقت تصر فيه الحكومة على خروج بريطانيا من الاتحاد الجمركي”. وكانت الحكومة البريطانية قد اقترحت تشكيل “اتحاد جمركي مؤقت” مع الاتحاد الأوروبي بهدف تجنب حدوث فوضى على حدودها، بعد تنفيذ اتفاق البريكست وأشار “ديفيد دافيس” وزير الدولة في الاتحاد الأوروبي، إلى أن وضع فترة انتقالية، سيساهم في انتقال سلس للنظام التجاري الجديد، والذي سيتم تنفيذه بعد الخروج من الاتحاد الأوروبي”. ومن المقرر، أن يسمح الاتفاق الجمركي بحرية التجارة بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي، والذي تم تحديد إطاره في السلسلة الأولى من جلسات “مباحثات الشراكة المستقبلية”، وقد وضعت الحكومة البريطانية خطتين محتملتين لما بعد “البريكست” تشمل إحداهما تعيين حدود جمركية جديدة، مع وجود إدارة بسيطة إلى أقصى حد ممكن، وتتحدث الثانية عن إمكانية تشكيل شراكة جمركية مع الاتحاد الأوروبي، الأمر الذي ينفي الحاجة إلى تعيين حدود جمركية بين بريطانيا وأي دولة من دول الاتحاد الأوروبي ولم يتضح حتى الآن طبيعة الاتفاق التجاري الذي يمكن التوصل إليه قبل الموعد النهائي للخروج، مع العلم أن الاتحاد يستقبل نسبة كبيرة من الصادرات البريطانية.