أوضح التقرير الجديد مستجدات اقتصادية: الشرق الأوسط للربع الثاني من العام 2021، الذي أعدته “أكسفورد إيكونوميكس” بتكليف من معهد المحاسبين القانونيين في انجلترا وويلز ICAEW، أن ثقة الأعمال في المنطقة قد اكتسبت زخماً قوياً خلال الأشهر الأخيرة، في ظل تخفيف القيود التي فرضتها جائحة كورونا، والارتفاع المستمر لمعدلات التطعيم ضد الفيروس بالمنطقة. وفي حين أن هناك علامات إيجابية على التعافي في النصف الثاني من هذا العام وما بعده، لا تزال الاقتصادات بعيدة عن مستويات أدائها ما قبل الجائحة.
وبحسب التقرير، سينمو إجمالي الناتج المحلي للشرق الأوسط بنسبة 2.4% هذا العام، وهو معدل مماثل لمتوسط مسار النمو في المنطقة خلال العقد الماضي، ليعكس تحسناً من مستويات التراجع التي شهدتها اقتصادات المنطقة بنسبة 4.4% في العام 2020.
وتؤثر تخفيضات إنتاج النفط على أداء القطاعات، حيث فرضت حالات التفشي الجديدة لفيروس كوفيد-19 إجراءات إغلاق أكثر صرامة في الأسابيع الأخيرة، مما أدى إلى عرقلة التعافي المرتقب. ومع ذلك، تشير القراءات القوية لمؤشر مدراء المشتريات (PMI) إلى تسارع النمو خلال الأشهر المقبلة، يدعمها الارتفاع السريع لمعدلات توفير وتوزيع اللقاح في العديد من البلدان، مما سيساعد حركة النشاط المحلي على العودة إلى أوضاعها الطبيعية.
وتتمتع اقتصادات المنطقة بوضع جيد للاستفادة من تصاعد الإقبال على السفر حينما تفتح بقية دول العالم أجواءها. كما ستحظى معدلات النمو بدعم قوي تزامناً مع التحضير لتنظيم واستضافة مختلف الفعاليات والأحداث الإقليمية، مثل معرض اكسبو 2020 دبي، وكأس العالم لكرة القدم 2022 في قطر، بالإضافة إلى تهدئة التوترات الإقليمية، والإنفاق من قبل صندوق الاستثمارات العامة للمملكة العربية السعودية (PIF). وبشكل عام، سينمو إجمالي الناتج المحلي لدول مجلس التعاون الخليجي بنسبة 2.1% هذا العام، بعد انكماشه بنسبة 5% في العام 2020.
وعلى الرغم من أن حالات الإصابة بفيروس كورونا لا تزال مرتفعة على الصعيد العالمي، ويتم الإعلان عن حالات تفشي جديدة يومياً، يبدو أن الجائحة باتت تحت السيطرة في الصين وأوروبا والولايات المتحدة. ومع اقتراب موسم السياحة الصيفية، يرتفع الطلب على النفط. وقد أدى ذلك، بجانب التقليص المستمر للإمدادات من منتجي أوبك+، إلى استقرار سعر النفط فوق 70 دولار أميركي للبرميل، ليدفع بتعديل توقعات أسعار خام برنت في 2021 إلى 64.4 دولار أميركي، مرتفعاً من 62 دولار أميركي. ومع ذلك، ونظراً لتوقعات الطلب المتواضعة والنطاق الواسع لنمو مستويات الإمدادات بصورة أقوى، سيظل الاتجاه الصعودي لأسعار النفط محدوداً خلال عامي 2022 و 2023، ويتوقع التقرير أن يبلغ متوسط سعر خام برنت 61 دولار أميركي خلال تلك الفترة.
وقال مايكل آرمسترونغ، المحاسب القانوني المعتمد والمدير الإقليمي لمعهد المحاسبين القانونيين ICAEW في الشرق الأوسط وإفريقيا وجنوب آسيا: “تبدو الآفاق المستقبلية لهذا الربع إيجابية بالنسبة لمعظم اقتصادات الشرق الأوسط، لكن إبقاء معدلات الإصابة بفيروس كورونا منخفضة سيكون أمراً ضرورياً لضمان عودة الاقتصادات إلى مسار النمو. وينبغي على الحكومات في جميع أنحاء المنطقة الاستمرار في تطوير القطاعات والصناعات التي تعزز الابتكار، ومواصلة تنفيذ الإصلاحات لتنويع الاقتصادات وتسريعها في مرحلة ما بعد كوفيد”.
ونظراً للاعتماد الكبير على قطاع النفط لتحقيق النمو، وتأثر البلدان بارتفاع درجات الحرارة، يشكّل التغير المناخي أيضاً قضية ذات أهمية متزايدة في منطقة مجلس التعاون الخليجي، ويحظى بتركيز أكبر في خطط التنويع في دول مثل المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة. وتهدف المبادرة الخضراء في المملكة العربية السعودية، على سبيل المثال، إلى خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في الشرق الأوسط بنسبة 60% بحلول عام 2030، والبدء في توليد نصف احتياجات المملكة من الكهرباء من مصادر متجددة للطاقة. ومع وجود العديد من القطاعات التي تستخدم النفط بمستويات عالية نسبياً، بما في ذلك جزء هائل من الصناعات وحتى السفر والسياحة، تدرك السلطات المعنية أنها لا تستطيع مواصلة العمل كالمعتاد، لأنها ستصطدم بالسياسات الدولية لمعالجة التغير المناخي، مثل ضرائب الكربون، وتعديلات الكربون الحدودية”.
من جانبه، قال سكوت ليفرمور، المستشار الاقتصادي لمعهد المحاسبين القانونيين ICAEW وكبير الخبراء الاقتصاديين في “أكسفورد إيكونوميكس”: “أدى ارتفاع أسعار النفط إلى تعزيز آفاق الإيرادات للدول المنتجة للنفط في مجلس التعاون الخليجي، والتي تعتمد عليه لتحقيق 40 إلى 90% من إجمالي دخلها المالي. إن عوائد النفط المرتفعة تمنح الحكومات مجالاً أكبر لدعم التعافي بعد الحائجة، دون تقويض الجهود الرامية إلى تحسين الاستدامة المالية على المدى المتوسط”.
وأضاف: “يشكّل التغير المناخي خطراً كبيراً على الاقتصاد والمجتمع. وبدون الجهود الجادة والموسّعة لتدراك تلك التداعيات، من المرجح لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، التي تعاني بالفعل من مشكلات متعلقة بالمناخ مثل ندرة المياه، أن تواجه عواقب اقتصادية هائلة من الممكن أن تُلقي بظلالها بصورة واضحة بحلول عام 2050”.
وحدّد تقرير المستجدات الاقتصادية زيادة كبيرة في آفاق النمو في إيران، من العودة المحتملة لخطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA)، إلى رفع العقوبات. ومع أن اقتصادها سيستعيد حجمه الذي كان عليه قبل العقوبات في 2023 على أقرب تقدير، إلا أن الزيادة في صادرات النفط ستعزز من نمو إجمالي ناتجها المحلي بشكل كبير خلال السنوات القليلة المقبلة، مع تأثير إيجابي ملموس في كل من القطاعين النفطي وغير النفطي.
وفي دول أخرى، لم يحرز لبنان أي تقدم في معالجة أزمته الاقتصادية الشائكة خلال الأشهر الثلاثة الماضية. ولا يزال تشكيل الحكومة يسير في طريق مسدود، ويُعاني السكان بسبب التضخم المتصاعد ونقص الوقود، والانقطاع المستمر والمتكرر للتيار الكهربائي لفترات أطول. كما سيؤدي انخفاض الوصول إلى السلع المدعومة إلى تفاقم الأزمة، ويتوقع التقرير أن ينخفض إجمالي الناتج المحلي اللبناني بنسبة 5.3% في العام 2021، بعد انخفاض يقدر بنحو 25% العام الماضي. أما في العراق، لا تزال آفاق النمو ضعيفة على المدى القصير، على الرغم من أن ارتفاع إنتاج النفط قد يؤدي إلى تخفيف حدة الأوضاع المالية في البلاد.