مجلة كيو بزنس Q Business Magazine:
بقلم “جون لارسون”، نائب رئيس أول و”حامد التميمي”، نائب رئيس في “بوز ألن هاملتون“
الذكاء الاصطناعي يقود الثورة الصناعية الرابعة في انحاء كثيرة من العالم اليوم. قطر هي من بلدان الخليج العربي الملتزمة بتطوير وتطبيق تقنيات الذكاء الاصطناعي من خلال استثمارات ضخمة بدعم حكومي. والإستراتيجية الوطنية للذكاء الاصطناعي هي بمثابة عامل تمكين كبير لرؤية قطر الوطنية 2030 التي تستلزم أربعة أركان، اقتصادي واجتماعي وإنساني وبيئي، حيث يعدّ الذكاء الاصطناعى أساسيا لتحقيق هدف استحداث اقتصاد قائم على المعرفة.

“حامد التميمي”، نائب رئيس في “بوز ألن هاملتون”

تتمثل الخطوة الأولى لتطبيق الذكاء الاصطناعي في إيجاد حالات قابلة للتطبيق ومن ثم العمل مع الإدارات والمؤسسات المختلفة لتطوير القوانين والأحكام والسياسات. مع اقتراب حدث استضافة كأس العالم فيفا 2022، تستثمر قطر بشكل كبير في بنيتها التحتية المدعومة بالذكاء الاصطناعي لاستيعاب الأعداد الكبيرة المتوقعة للزوار. ويتيح هذا الحدث فرصا لشركات جديدة تعتمد على تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي والجيل الخامس 5G للاتصالات.
أمثلة ناجحة عن استخدام الذكاء الاصطناعي
الأمن هو أحد أكبر المستفيدين من تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، وهنا في المنطقة، يتمتع الذكاء الاصطناعي بإمكانيات هائلة عندما يتعلق الأمر بالأمن، وقد تم بالفعل تطبيق هذه التكنولوجيا لمعالجة الصور والتعرف على الوجه والتحليل الاستباقي وما إلى ذلك.
ومن جهته، يتجه قطاع خدمة المتعاملين في المنطقة بشكل متنامي نحو الذكاء الاصطناعي لإدارة احتياجاته المتزايدة، ويستخدم الذكاء الاصطناعي على نطاق واسع في التطبيقات الخاصة بالمستهلكين. تطبيقات الأجهزة النقّالة مصممة الآن لاتاحة الخدمات الحكومية بسلاسة، ونحن نشهد حاليا اعتماد خدمة الرد التفاعلي عبر خدمات التجزئة والبنوك والخدمات الحكومية.
الذكاء الاصطناعي يتيح توفير التجارب بأسلوب أكثر شخصية، ومع بروز خدمة الرد التفاعلي، نرى مستوى غير مسبوق من التغيير في هذا القطاع وسيستمر هذا الواقع في دفع خدمة المتعاملين عبر الخدمات الحكومية والقطاع الخاص.
وسوف يتأثر قطاع الرعاية الصحية بشكل كبير بالذكاء الاصطناعي في المستقبل كون هذا القطاع يتخلّى عن الأساليب التقليدية ويستخدم خوارزميات معقدة وبرمجيات لمساعدة الأطباء في تشخيص المرضى. لتوضيح ذلك، كلف أول رسم للخريطة الجينية البشرية حوالي 3 مليارات دولار أميركي واستغرق تحقيقه قرابة 15 عاما. اليوم، تبلغ تكلفة رسم الخريطة الجينية 1000 دولار أميركي للفرد ويتم ذلك في غضون ساعات. هذا تغيير هائل في فترة زمنية قصيرة ويتيح فرصا كبيرة لوصف الأدوية للأفراد وفق الحاجة، بما في ذلك الطب الدقيق، وتطوير الأدوية والصور التشخيصية.
ويشهد قطاع النقل من جهته نقلة تغيير كبيرة بفضل الذكاء الاصطناعي. على سبيل المثال، تستعد الشاحنات ذاتية الحركة للمسافات الطويلة في الولايات المتحدة الى احداث ثورة في قطاع الخدمات اللوجستية. وفي دولة الإمارات، بدأت التجارب على أولى سيارات الأجرة الذاتية الحركة، مع خطط لطرحها على الطرق في المستقبل القريب، بمجرد معالجة جدواها بالنسبة للسلامة وحركة المرور.
وفي قطاعي الطاقة والبحث والتطوير، تتيح التكنولوجيا والخوارزميات إجراء عمليات دقيقة في الحفر وإدارة الخزانات وضمان السلامة والإنتاج. لطالما كانت عمليات البحث والتطوير مكلفة في الماضي، لكن الذكاء الاصطناعي قادر على معالجة كميات كبيرة من البيانات في فترة زمنية قصيرة، مما من شأنه تقليل التكاليف لمختلف القطاعات بشكل كبير. أما الواقع المعزز أو ما يعرف بـ Augmented Reality فهو تقنية أخرى ناشئة لديها القدرة على تعزيز قطاع النفط والغاز وتتميز هذه التقنية بفوائدها العديدة، إبتداء من تأثيرها في أعمال بسيطة كالإصلاحات في المواقع البحرية، إلى تحسين سلامة العمال.
أما الابتكار المتعلق باللغة فيسشكّل أداة تمكين هائلة للتفاعل مع الناس، خصوصا في مكان كدولة الإمارات. ويتم بالفعل حاليا تشكيل الوسائط الإعلامية والمحتوى بواسطة الذكاء الاصطناعي لتتيح المرحلة التالية الاستفادة من هذا الإنجاز لترجمة اللغة. فبينما يمكن أن يكون حاجز اللغة أحد أكبر التحديات التي تعوق تقديم خدمة المتعاملين، يأتي الذكاء الاصطناعي ليوفّر تطبيقات جديدة للتغلب على ذلك والتواصل مع الجمهور.
التغلب على العقبات و المعوقات
على الرغم من كون حالات الاستخدام كبيرة، فإن الذكاء الاصطناعي أصبح كلمة مرنة اليوم. العديد يتحدث عن الذكاء الاصطناعي دون فهم تام لما يعنيه بالنسبة لأعمالهم. ينبغي على الشركات الجادة في تناول الذكاء الاصطناعي التركيز على أمرين: فوائده للعمل وفوائده في حالة استخدامه، وعليها ان تتبنى نهج سريع ومرحلي للبدء وبناء الزخم.
أفضل طريقة هي البدء في تطبيق الذكاء الاصطناعي على نطاق صغير وتطويره مع المضي قدما. ومن المهم أيضا اعتماد الذكاء الاصطناعي في سياق واسع حيث يكون التعلم الآلي والتعلم العميق في جوهره. لا يمكن حل جميع المشكلات عن طريق التعلم الآلي أو التعلم العميق. إن فهم حالة الاستخدام ثم توظيف الأدوات المناسبة أمر ضروري لتحقيق النجاح.
ويتطلّب تطبيق الذكاء الاصطناعي أيضا تحولا هائلا في المفهوم الثقافي. ونعني بهذا أن التكنولوجيا تحتاج إلى جعلها موطنة وذات طابع محلي، لذا ينبغي مثلا أن تكون برامج الرد التفاعلي أكثر طبيعية وتركّز أكثر على الإنسان.
من المفهوم أن أحد أكبر التحديات التي تواجه تطبيق الذكاء الاصطناعي هو اعتباره تهديدا مسبقا من حيث التكرار أو فقدان الوظائف، لكن الحكومات والقطاع الخاص بحاجة إلى فهم طبيعة سوق العمل، والتفكير في كيفية تشكيله للمستقبل. لذا ينبغي تطبيق الذكاء الاصطناعي بطريقة تعيد توظيف الطاقات في سوق العمل بدلاً من جعلها زائدة عن الحاجة.
هناك تحدٍ آخر يواجه تطبيق الذكاء الاصطناعي يتعلق بالشفافية والتحيز. فعندما تقوم بتطبيق خوارزميات وتعلم عميق، فأنت لا تعرف دائما سبب اتخاذ الآلات للقرارات. مع الذكاء الاصطناعي، هناك حاجة أيضا لمعرفة كيفية تنظيم التحيز، كما في التطبيقات المستقلة حيث قد تكون هناك مشاكل عندما يتعلق الأمر بإنقاذ الأرواح في حالة حدوث تصادم أو الحرمان من الرعاية أو الفوائد في الرعاية الصحية.
يمكن أن تختلف التشعبات القانونية أيضا من بلد إلى آخر. لذا، يمكن أن تختلف الخوارزمية مثلا في مركبة ذاتية القرار لإنقاذ حياة بناء على معايير معينة، بين بلد وآخر، وتخلق الحدود الجغرافية لهذه التحديات تعقيدًا لا نعرفه بعد.
وهناك تحد حاسم آخر يتمثل في توسيع نطاق الذكاء الاصطناعي، حيث يمكن لأي شخص القيام بتجارب الذكاء الاصطناعي على نطاق صغير، لكن تحويل تلك النجاحات إلى حلول على مستوى المؤسسة يتطلب عملا شاقا، بما في ذلك دمج التحول والاستراتيجية والتكنولوجيا والبيانات والتحليلات بنجاح.
كما ينبغي أن نأخذ بعين الاعتبار الحجم الهائل للبيانات التي يتم إنشاؤها، والتي أصبحت واحدة من أكثر الأصول قيمة للمؤسسات اليوم. في العامين الماضيين وحدهما، قمنا بتوليد 90 في المائة من البيانات في العالم ولا شك بأن تطور ما يمكننا تحقيقه وتنفيذه بهذه البيانات هو أمر هائل، ونحن نستهين بالمدى والسرعة التي سيظهر بها الذكاء الاصطناعي في المستقبل.
ومع تحوّل بلدان الخليج العربي عن الاقتصاد المعتمد على النفط، يبرز الذكاء الاصطناعي كمجال نمو واعد جدا. وسيكون من المهم بالنسبة لدولة الإمارات مواصلة الاستثمار في الذكاء الاصطناعي من خلال زيادة اعتماده وتبنيه في مختلف المؤسسات، وتعزيز قاعدة الكفاءات في هذا الإطار والاستمرار في العمل على الممكنات المناسبة، لتطوير نمط الحياة والعمل.