مجلة كيو بزنس Q Business Magazine
تعزز النشاط في منطقة أفريقيا جنوب الصحراء، ومن المتوقع أن يبلغ نمو الناتج المحلي الإجمالي نسبة 3.1% في عام 2018 من 2.7% في عام 2017. وبالنظر إلى ضخامة عدد الدول في هذه المنطقة، فإننا سنركز تحليلنا على الاقتصادات المتفوقة أو المتأخرة من حيث الأداء فيما يتعلق بخلفية الاقتصادي الكلي الإقليمي. وسيتناول المقال بالتفصيل أكبر اقتصادين في أفريقيا جنوب الصحراء، وهما نيجيريا وجنوب إفريقيا، اللتان شهدتا تباطؤاً في النمو على الرغم من انتعاش أسعار السلع، ثم إثيوبيا وغانا، اللتين نعتبرهما أبطال النمو في الإقليم. (تقرير من QNB)
تمثل نيجيريا وجنوب إفريقيا مجتمعتين حوالي 50% من الناتج المحلي الإجمالي للقارة. وكلا البلدين من الاقتصادات كثيفة الاستخدام للموارد وتكافحان من أجل تحقيق نمو أقوى منذ صدمة أسعار السلع في أواخر عام 2014. في ذلك الوقت، انهار صافي صادرات النفط الاسمية لنيجيريا وتضاءلت الإيرادات الخارجية لجنوب أفريقيا من البلاتين وخام الحديد والفحم. ولكن بعد التراجع الأول للإنتاج منذ أكثر من عقدين في عام 2016، وتحقيق نمو بطيء جداً بنسبة 0.8% في عام 2017، ستشهد نيجيريا توسعاً اقتصادياً بنسبة 1.9% في عام 2018. وقد كانت العوامل الرئيسية وراء هذا الانتعاش هي ارتفاع أسعار النفط، واستقرار إنتاج المواد النفطية، والقطاع الزراعي.
وقد ساعد ارتفاع أسعار النفط في دعم فوائض الحساب الجاري وكذلك في تقليص العجز المالي. وقد ساهم ذلك، بالإضافة إلى إصدارات السندات وتدفقات المحافظ الأخرى، في رفع الاحتياطيات الخارجية والحفاظ على نظام الصرف الأجنبي الجديد.
وتشير التوقعات إلى تحسن الأداء في 2019، لكن من المتوقع أن يظل النمو منخفضاً عند 2.3%. وتتزايد المخاطر مع توقعات بتراجع أسعار النفط، كما تشكل اضطرابات إنتاج النفط تهديداً محتملاً للنشاط الاقتصادي.
ورغم ارتفاع أسعار السلع ومجيء قيادة سياسية جديدة تعزز التفاؤل بشأن الاصلاح وتتبنى برنامجاً اقتصادياً ملائماً أكثر للأعمال، فإن النمو في جنوب أفريقيا قد تراجع في 2018. ومن المتوقع أن يتباطأ نمو الناتج المحلي الإجمالي إلى 0.8% هذا العام وذلك من 1.3% في 2017. وكان هذا التراجع مدفوعاً بقطاعات الزراعة والنقل والتجزئة، كما أن الانخفاض خلال الأرباع الأخيرة زاد من إدخال البلد أكثر في أول ركود فني منذ فترة ما بعد الأزمة المالية الكبيرة في 2009.
ومع العجز الهيكلي الذي تواجهه جنوب أفريقيا في الحساب الجاري، فإنها تظل معرضة للتأثر بمزاج المستثمرين الأجانب، وقد تضررت بتشدد الأوضاع المالية العالمية وباضطرابات أسعار الصرف في أسواق ناشئة أخرى. وعانى الاقتصاد من خروج كبير لرؤوس الأموال، كما تراجعت قيمة الراند الجنوب أفريقي بنسبة 16.7% أمام الدولار الأمريكي حتى الآن هذا العام.
وفي 2019، سيكون الوضع أكثر إيجابية، فمن شأن تعافي القطاع الزراعي وتخفيف السياسة المالية أن يقودا إلى رفع النمو إلى 1.4%. لكن المخاطر لاتزال مرتفعة أيضاً، حيث تتأثر أسعار السلع بشكل كبير بتراجع النمو العالمي. كما أن تطبيع السياسات النقدية في الاقتصادات المتقدمة قد يولد ضغوطاً إضافية على عملات الأسواق الناشئة، مما يضطر معه البنك المركزي إلى تشديد السياسة النقدية.
إن إثيوبيا وغانا هما أهم الاقتصادات ذات الأداء المتفوق في القارة الإفريقية. ولطالما وُصفت إثيوبيا بأنها “الصين الإفريقية” وقد حافظت باستمرار على مستويات أدائها ضمن أسرع الاقتصادات نمواً في العالم منذ مطلع الألفية الثانية. تمكنت غانا أيضاً، بفضل الاستقرار السياسي المتجذر وقاعدة الموارد المتنوعة والغنية التي تشمل النفط الخام والذهب، من تحقيق معدلات نمو طويل الأجل تتجاوز بكثير متوسط معدلات النمو لدول أفريقيا جنوب الصحراء.
ومن المنتظر أن تشهد إثيوبيا عاماً آخر من النمو القوي، حيث يُتوقع أن ينمو اقتصادها بنسبة 7.5% في عام 2018. ولا يزال الاستثمار الأجنبي المباشر في مشاريع البنية التحتية والتصنيع يقود التوسع الصناعي السريع.
ويؤدي النشاط المحلي القوي المدفوع بالإنفاق الكبير على مشاريع البنية التحتية والاستثمار إلى زيادة الإخلال بتوازن الحسابات الداخلية والخارجية. وأصبح بدء التشغيل الفعلي للمشاريع المرتبطة بالتصدير يستغرق وقتاً أطول مع الارتفاع الكبير في الواردات وتدهور ميزان الموازنة. وتشهد إثيوبيا توسعاً مستمراً في العجز التجاري وعجز الحساب الجاري، لكن الحكومة نجحت في تمويل جزء من ذلك العجز برأس المال الأجنبي، لا سيما الاستثمار الأجنبي المباشر المرتبط بالمناطق الصناعية الجديدة وبرامج الخصخصة.
وتشير توقعات عام 2019 إلى أن البلاد ستحقق نمواً حقيقياً قوياً تبلغ نسبته 8.5%. ومع تدني تكاليف العمالة في إثيوبيا بالمقارنة مع نظرائها من الدول الإفريقية، من المتوقع أن تستمر البلاد في اجتذاب الاستثمارات الأجنبية المباشرة في القطاعات الرئيسية المولدة لفرص العمل، مثل صناعة المنسوجات والأحذية، وهو ما من شأنه أن يدعم التحوّل التدريجي نحو اقتصاد أكثر اعتماداً على التصدير.
أنتعش الاقتصاد الغاني، ولكن من المتوقع أن يتباطأ قليلاً في 2018 إلى 6.35% من نموه السريع الذي بلغ 8.4% في 2017. وتشمل محركات النمو الرئيسية إنتاج الهيدروكربون والدعم من ارتفاع أسعار السلع الاساسية، وخاصةً النفط الخام والكاكاو.
اتسعت دائرة العجز في المالية العامة، لكن تقلص العجز في الحساب الجاري على خلفية الإيرادات الخارجية القوية. ومن المتوقع أن يرتفع معدل النمو إلى 7.6% في عام 2019. وتميل آفاق النمو إلى الجانب السلبي حيث من المفترض أن تتراجع أسعار السلع قليلاً في العام المقبل.
على الرغم من الانتعاش العام في النمو، فإن أحد أهم المخاوف المشتركة لمعظم البلدان في أفريقيا جنوب الصحراء هو الزيادة في المديونية بالعملات الأجنبية، المدفوعة برغبة المستثمرين في الحصول على عوائد أعلى والاحتياجات الاستثمارية الهائلة للبنية التحتية والتنمية الاجتماعية. كما سيزيد تشديد السياسة النقدية في الولايات المتحدة من مخاطر إعادة التمويل وتمديد آجال السداد في الأسواق الحدودية في أفريقيا جنوب الصحراء. وقد كانت تدفقات المحفظة قوية في النصف الأول من عام 2018 مع إصدارات قياسية من السندات باليورو. ويضاف هذا إلى الطفرة التي حدثت في الإصدارات السيادية الأفريقية في العام الماضي. وعلى المدى المتوسط والبعيد، سوف تحتاج دول أفريقيا جنوب الصحراء إلى الاعتماد بشكل أكبر على الإيرادات المحلية والضريبية لمعالجة القضايا المرتبطة بالتنمية الاقتصادية المستدامة عند المستويات المعدلة بالمخاطر.