دفع هبوط أسعار النفط الخام منذ 2014، إلى تسارع وتيرة الإقبال على أسواق الدين في المنطقة العربية، خاصة دول الخليج. وتشير توقعات إلى تسارع وتيرة إصدارات حكومات دول مجلس التعاون الخليجي من أدوات الدين (الصكوك والسندات) في العام الجديد 2018، بعد عام قياسي في 2017 سجلت فيه أحد أعلى مستوياتها منذ الأزمة المالية العالمية. ورغم تعافي أسعار النفط الخام مع بلوغها أعلى مستوياتها في ثلاث سنوات، لكن دول الخليج العربي ما تزال تطرق سوق الصكوك والسندات، لتغطية نفقاتها وزيادة إيراداتها وسد عجز الموازنات، بالتوازي مع حملات وبرامج للتقشف تنفذها على نحو واسع. مجلس التعاون لدول الخليج العربية، التي تضخ نحو خُمس معروض النفط العالمي وتعتمد على العائدات النفطية في تمويل إيرادات موازناتها، يضم كلا من السعودية وقطر والإمارات والكويت والبحرين وسلطنة عمان.
وارتفع حجم الإصدارات السيادية الخليجية بنسبة 41.4 بالمائة في 2017. وبلغ إجمالي حجم الإصدارات السيادية من أدوان الدين العام الماضي لتلك الدول (صكوك وسندات)، 122.6 مليار دولار في 2017، من 86.7 مليار دولار في 2016. إصدارات 2017، توزعت بواقع 41.4 مليار دولار للصكوك و81.2 مليار للسندات، في مقابل نحو 13.9 مليار دولار للصكوك و72.8 مليار للسندات في 2016. تقرير حديث لشركة كامكو الكويتية للبحوث، بين أن 2017، يعد عاماً قياسيا بالنسبة لدول مجلس التعاون الخليجي، بسبب استمرار تراجع أسعار النفط مقرونا بارتفاع ضغوط الموازنات المحلية، وكذلك متطلبات الإنفاق على البنية التحتية.
سلسلة إصدارات
محللون اقتصاديون قالوا إن الاتجاهات الحالية تشير إلى وجود سلسلة من الإصدارات الخليجية قيد الإعداد على المدى القريب، ما يشير إلى أن 2018 سيكون عاما قياسيا، مع سعي المصدرين في المنطقة لانتهاز تأمين معدلات أفضل قبل رفع أسعار الفائدة الأمريكية.
ورفع البنك المركزي الأمريكي سعر الفائدة 3 مرات في العام الماضي، لتتراوح بين 1.25 بالمائة إلى 1.5 بالمائة، مع توقعات برفعها 3 مرات في 2018، وفقاً لبيان السياسة النقدية الصادر عن البنك في اجتماعه خلال ديسمبر الماضي. وما يزال سوق المشروعات بدول مجلس التعاون الخليجي أحد أكبر الأسواق في المنطقة بقيمة تصل إلى حوالي 3.1 تريليون دولار.
تمويل مشاريع
الخبير والمحلل الاقتصادي، جمال عجيز، قال إن تهاوي أسعار النفط على مدى الثلاث سنوات الماضية، كان السبب الرئيس وراء توجه دول الخليج نحو أسواق الدين لتمويل احتياجاتها التمويلية. عجيز أضاف أن التوقعات ترجح أن تتزايد وتيرة الاستدانة عبر الصكوك والسندات في 2018، لعدة أسباب أهمها تمويل المشاريع الضخمة في دول الخليج. وتوقعت وكالة التصنيف الائتماني ستاندرد آند بورز، تراوح نفقات البنية التحتية لدول مجلس التعاون الخليجي في حدود 120-150 مليار دولار حتى 2019. ويرى عجيز أن لجوء دول الخليج للسندات والصكوك يعد أمراً إيجابيا، يوفر تنوعا في الأدوات التمويلية، وتحسنا في السيولة فضلاً عن توسيع قاعدة المستثمرين ذوي الدخل الثابت.
تعاف مرتقب
مدير إدارة الأصول لدى الفجر للاستشارات المالية، مروان الشرشابي، التقط أطراف الحديث، مشيراً إلى أن زخم الإصدارات الخليجية سيتسارع خلال العام الحالي، لكنه سيعاود الهدوء مجدداً في 2019 و2020 في ظل التوقعات المتفائلة بتعافي اقتصادات دول الخليج. وتوقعت وكالة موديز لخدمات المستثمرين، انخفاضا طفيفا في نمو الناتج الإجمالي لدول الخليج إلى قرابة 2 بالمائة في 2018. الشرشابي أضاف: “كذلك فإن استقرار أسعار النفط عند المستويات الحالية والتي تعد الأعلى منذ ثلاث سنوات، من شأنه أن يعزز الإيرادات العامة، وبالتالي ستقل الضغوط على الموازنات العامة”. ويقول البنك الدولي إن الإصلاحات الداعمة للقطاعات غير النفطية وزيادة الاستثمارات في البنية التحتية بدول مجلس التعاون الخليجي، ستدعم ارتفاع النمو من 0.7 بالمائة في 2017 إلى 2 بالمائة في العام الجاري. ورأى الشرشابي أن اللجوء لأسواق الدين يعد خياراً جيداً بدلا من الاعتماد على السحب من الاحتياطيات السيادية، كما يساعد أيضاً توفير السيولة اللازمة لبرامج الإنفاق الحكومية. وتستحوذ دول الخليج العربي على الحصة الأكبر من أصول الصناديق العربية السيادية. وقدرت قيمة أصول صناديق الثروة السيادية العربية، بنحو 2.97 تريليون دولار في ديسمبر الماضي، مقابل 2.99 تريليون دولار في أكتوبر من نفس العام، وفق تقرير “إس دابليو إف إنستيتيوت”.