مجلة كيو بزنس Q Business Magazine:
ثقافة الاستهلاك وظاهرة الـ “فاشينستا”
بقلم محمود دياب، المدير العام ورئيس التحرير
مع اعتماد النظام العالمي على الأسواق العالمية ثم الأسواق الحرة، أصبحت النزعة الاستهلاكية جزء من ثقافة الواقع، ومن هنا أصبحت ثورة الإعلانات من أهم الوسائل التي تعتمد عليها تلك الشركات في دفع الناس لشراء أشياء لا يحتاجون إليها بالفعل.
كانت حيازة سيارة في بداية القرن العشرين مقتصرة على الصفوة، وكانت صعبة الاستخدام يحتاج صاحبها إلى سائق وميكانيكي ومعدات كثيرة لتسيرها، وقلما تنجو رحلة من تعطلها.. كانت بالفعل ترمز إلى ما وصفه “ثورثتاين فيبلين” الاقتصادي الأمريكي قبل أكثر من عقدين بالوجاهة الاجتماعية “البريستيج”.
سأل “هنري فورد” نفسه: لماذا لا تكون السيارة أقل تعقيداً وأسهل استعمالاً وسعرها بمتناول العامة؟.. ولم تمضِ سنوات معدودة من بدئه صناعة أول سيارة اقتصادية حتى كان يتباهى سنة 1914 أن أي عامل لديه يستطيع شراء سيارة “فورد ت” براتب شهرين فقط. إذ إنه استطاع تخفيض سعر سيارته من 1200 دولار سنة 1907 إلى حوالي 270 دولار سنة 1914، ومن هنا بدأت تتحول السيارة من كونها ضرورية إلى سلعة كمالية..
بدأت هذه الثقافة الإتكالية الانهزامية تبتلع الثروة وتفقد الحس بقيمة الأشياء
وتجعل المرء ينشغل بالمظهر عن الجوهر
إن “ثقافة الاستهلاك” تفشّت في كثير من المجتمعات وخاصةً العربية التي ابتاعت منتجاتها من دول أخرى، لتحوّل الاستهلاك إلى ثقافة الدون من الحياة، وإيثار الاسترخاء على الجد وعلو الهمّة، وإحلال مظهر الأجساد المترهلة عوضاً عن الرشاقة والفتوة. بدأت هذه الثقافة الإتكالية الانهزامية تبتلع الثروة وتفقد الحس بقيمة الأشياء وتجعل المرء ينشغل بالمظهر عن الجوهر، حيث يصبح الإنفاق على الكماليات هدفاً ورسالةً، بل مظهراً اجتماعياً يُبذل فيه الغالي والنفيس..
يرى محلّلون أن استهلاك الأشياء بات أسهل وأقرب، وأن الاستهلاك المفرط يُخمد العقل ويفقده القدرة على التفاعل والتفكير والتحليل، حيث يتعامل الذهن مع صنوف المنتجات باستسلام، بخلاف الإنتاج الذي يتطلب اتخاذ القرارات والمفاضلة بين الاختيارات والتجريب والمحاولة بما يقتضيها النجاح والفشل.
الاستهلاك المفرط يُخمد العقل ويفقده القدرة على التفاعل والتفكير والتحليل
تفاعل المفهوم الاستهلاكي المفرط مع عاداتنا وتقاليدنا الاجتماعية حتى صار ثقافة يومية معاشة نمارسها كشيء طبيعي كما نشرب الماء ونتنفس الهواء، كما صار جزءاً رئيسياً من اقتصاديات الدول وركائزها السياسية معتمداً في ذلك على دور الإعلام في بث ثقافة الاستهلاك عبر إعادة تشكيل وعي جماهيره العريضة شرقاً وغرباً بحاجاته المتجددة للتغيير والتحديث.
ظاهرة الـ “فاشينستا” هي إحدى الصرعات الأخيرة في عالم الاستهلاك
أما أخطر أنواع التأثير في الاستهلاك في شكله الحديث فهي ظاهرة الـ “فاشينستا” وهي إحدى الصرعات الأخيرة في عالم الاستهلاك، والتي تعني وجود جيل يعيش في عالم التواصل الاجتماعي، حيث يعرض حياته ومقتنياته الجديدة –كل يوم- على حسابه في بعض مواقع التواصل الاجتماعي ليكسب مزيد من المعجبين.. انتشرت هذه الظاهرة بشكل كبير مؤخراً في المجتمع الخليجي، وخصوصاً بين أوساط الشباب، ما دفع الباحث الكويتي “ناصر المجيبل”، المتخصص في الإعلام إلى القول بأن ظاهرة الـ “فاشينستا” تُمثل مرحلة طبيعية من مراحل تطور الأسواق، فالمنتجون بحاجة لابتكار واستثمار أي وسيلة جديدة تساهم بالترويج لمنتجاتهم، وكانت ظاهرة فتيات الإنستغرام فرصة جديدة للمنتجين للدخول إلى أسواق والوصول لشرائح جديدة من المستهلكين، وأكد على أن هذا التطور ليس مشكلة في حد ذاته، فهو وسيلة ترويج وتسويق مبتكرة، لكن المشكلة الحقيقية تكمن في التداخل في حياة الـ “فاشينستا” التجارية والشخصية في ذهن المستهلك أو المتابع، فالمتابعون يعتقدون أن حياة هؤلاء الناس هي الحياة الطبيعية والمثالية، وحياتهم هي حياة غير طبيعية وبحاجة لإصلاح، بل أصبح الجمهور يرى، من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، أن جميع من حوله يحيا حياة رائعة ما عدا سواه.