مجلة كيو بزنس Q Business Magazine:
كيتكوم 2019 يستعرض تجربة التحول نحو”المدن الذكية” لتطوير اقتصاد وطني متنوع قائم على المعرفة
يتجه العالم بشكل متزايد إلى التحول إلى “المدن الذكية” وذلك في ظل الضغوط المتزايدة التي يمارسها التحضر السريع على البنى التحتية التقليدية، وأصبحت مبادرات المدن الذكية، التي يتم فيها دمج التكنولوجيا الرقمية بهدف تحسين كفاءة عمليات المدن وخدماتها، اتجاهاً عالمياً بفضل المزايا الاقتصادية العديدة التي توفرها مثل إمكانية تعزيز التنمية الاقتصادية للمدن العالمية بنسبة تزيد على 5% وتحقيق ما لا يقل عن 20 تريليون دولار في شكل فوائد اقتصادية إضافية بحلول عام 2026، وذلك وفقاً لتقرير صادر مؤخراً عن شركة “أيه بي آي للأبحاث” ABI Research حول “دور المدن الذكية في التنمية الاقتصادية”.
وتشهد المدن الآن تحولات سريعة بفضل استغلالها للفرص الهائلة التي توفرها التكنولوجيا الذكية في تطوير مجتمع أكثر استدامة. ومن سنغافورة، التي طورت نظاماً يتيح للسائقين توفير حوالي 60 ساعة سنوياً من خلال سيارات الأجرة ذاتية القيادة، إلى شيكاغو حيث حوَّل أكثر من 500 جهاز استشعار هذه المدينة إلى منطقة ذكية بعد أن تم ربطها جميعها بإشارات المرور وأعمدة إنارة الشوارع وحاويات القمامة وغير ذلك عبر شبكة الإنترنت، نجد أن مدن المستقبل آخذة في الظهور شيئاً فشيئاً.
وفي سبيل الاستفادة من الإمكانات الهائلة لمبادرة المدن الذكية باعتبارها أحد العوامل الرئيسية لتسريع وتيرة تحقيق ركائز رؤية قطر الوطنية 2030، أطلقت قطر مبادرة “قطر الذكية”، والمعروفة باسم “تسمو” التي تسعى لتسخير التكنولوجيا والابتكار لتعزيز التنوع والنمو الاقتصادي المستدام وتحسين الخدمات العامة وجودة الحياة للمواطنين والمقيمين والزوار في قطر.
وتركز مبادرة “تسمو” على 5 قطاعات ذات أولوية، وهي المواصلات والرعاية الصحية والخدمات اللوجستية والبيئة والرياضة، ومن المتوقع أن تجلب هذه المبادرة إيرادات كبيرة للاقتصاد القطري المتنامي وأن تعزز مسيرة التنمية بأكثر من 5% وتحقق 11 مليار دولار على الأقل، من إجمالي الناتج المحلي الاسمي المتوقع والمُقدَّر بـ 275 مليار دولار بحلول عام 2022.
ويعد توفر بنية تحتية قوية للاتصال بالإنترنت العمود الفقري للمدن الذكية، وقد استطاعت قطر أن تحقق نتائج إيجابية للغاية في هذا الاتجاه، ومع إطلاق شبكة اتصالات الجيل الخامس بشكل تجاري على شبكات عالمية في مايو 2018، عززت قطر مكانتها كدولة رائدة عالمياً في توفير الإنترنت ذات النطاق العريض وفائقة السرعة للأسر والشركات.
وتتصدر قطر قائمة الدول “الأكثر اتصالا بالإنترنت”، فقد حلَّت في المرتبة الأولى عالمياً على مستوى انتشار الإنترنت (99%) وذلك في الفترة من يناير 2017 إلى يناير 2018، وفقاً لتقرير “الرقمنة في عام 2018” “DIGITAL IN 2018” المنشور على موقع “‘We Are Social and Hootsuite ” وأعده سيمون كيمب، كما أشار أحدث تقرير سنوي صادر عن جامعة نورث وسترن في قطر حول استبيان “استخدام وسائل الإعلام في الشرق الأوسط” إلى أن قطر لديها أحد أعلى معدلات استخدام الإنترنت في العالم حيث يصل مستوى تشبع السوق فيها إلى ما نسبته 95%.
وينمو حجم سوق إنترنت الأشياء بشكل كبير في قطر، حيث يُتوقع أن تصل المبيعات إلى 573 مليون دولار بحلول عام 2022، مقارنة بـ 172.5 مليون دولار في عام 2018، فيما يُتوقع أن ترتفع القيمة النقدية للمنازل الذكية في قطر إلى 344 مليون دولار، وذلك بحسب بيانات شركة “ستاتيستا” Statista للإحصائيات، خلال الفترة نفسها.
وأشارت إحصائيات وزارة المواصلات والاتصالات في قطر إلى أن قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات هو أكثر القطاعات استفادة من مبادرة قطر الذكية، ومن المتوقع أن تنمو سوق تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في قطر، والتي قُدرت بحوالي 3.9 مليار دولار في عام 2017 بنسبة 2.3% سنوياً لتصل إلى 4.4 مليار دولار في عام 2021، كما توقعت أرقام أصدرتها شركة البيانات الدولية (IDC) أن تصل سوق البرمجيات في قطر إلى حوالي 1.55 مليار ريال (412 مليون دولار)، وسوق خدمات تكنولوجيا المعلومات إلى أكثر من مليار ريال (275 مليون دولار) وسوق البنية التحتية إلى أكثر من 800 مليون ريال (220 مليون دولار)، بحلول عام 2021، وعلى صعيد النمو، فمن المتوقع أن يكون قطاع الخدمات السحابية هو الرابح الأكبر في هذا القطاع، حيث سيشهد نمواً هائلاً يُقدر بـ 226% فيما يُتوقع أن يتجاوز الإنفاق 111 مليون دولار.
وفي قطاع العقارات، يتحول مفهوم نموذج المدن الذكية في قطر إلى حقيقة واقعة مع مشروعي مشيرب قلب الدوحة ومدينة لوسيل، وهما في مراحل متقدمة من الإنجاز، حيث يشغل مشروع مشيرب قلب الدوحة الذي تبلغ تكلفته 5.5 مليار دولار، وهو مشروع تطوير متعدد الاستخدامات، مساحة قدرها 310 ألف متر مربع في قلب الدوحة، ويعتبر أول مشروع مستدام في العالم لتجديد وسط مدينة وأول مشروع لتجديد وسط مدينة يعتمد على تكنولوجيا المدن الذكية والاتصال منذ البداية، وقد فاز المشروع الذي يهدف إلى معالجة مجموعة من ركائز المدن الذكية بما في ذلك الاقتصاد الذكي والحياة الذكية والبيئة الذكية، بالعديد من الجوائز، ومنها جائزة المدينة الذكية في برشلونة في عام 2018، وهي أيضاً من بين المدن المرشحة لجائزة آغا خان للعمارة 2019.
أما مدينة لوسيل والمعروفة أيضا باسم “مدينة المستقبل في قطر”، فهي مدينة يجري تطويرها حالياً وذات بنية تحتية ذكية وتبلغ تكلفتها 45 مليار دولار وتقوم على تطويرها شركة الديار القطرية، الذراع العقارية لجهاز قطر للاستثمار، وعند اكتماله في عام 2020، سوف يوفر المشروع بيئة تشغيل عالية التقنية تضم شبكات الاتصالات السلكية واللاسلكية بما يضمن تقديم خدمات متقدمة، وسيصل إجمالي عدد سكان لوسيل التقديري في نهاية المطاف إلى 450 ألف نسمة، ً.
وفي مجال الرعاية الصحية، تساعد السجلات الرقمية للمرضى وخدمة “التطبيب عن بُعد” في تطوير سوق الرعاية الصحية في قطر، من خلال المواءمة بين الوقت والتكلفة وتحسين رعاية المرضى، وفي وقت يسارع مقدمو الرعاية الصحية في قطر بتبني مجموعة متنوعة من الحلول المرتبطة بشبكة الإنترنت، من المتوقع أن تنمو سوق الرعاية الصحية في قطر بنسبة 50%، من 6 مليار دولار في عام 2016 إلى 9 مليار دولار بحلول عام 2020، وفقاً لتقرير صادر عن بنك الاستثمار “آلبن كابيتال”.
وأتت استثمارات قطر في التكنولوجيا الذكية في قطاع الرعاية الصحية ثمارها، حيث أصبحت قطر تحتل حالياً المرتبة الخامسة في العالم والأولى في الشرق الأوسط من حيث متوسط العمر والنتائج الصحية والاستثمار في البنية التحتية الصحية، وفقاً لمؤسسة “ليجاتوم” وهي مركز بحثي مقره في لندن.
ويحتل التعليم أيضاً المرتبة الأولى بين القطاعات التي تأثرت بتوجه الدولة لتطوير المدن الذكية، ومن خلال مبادرات التعليم الإلكتروني وإمكانية الوصول الإلكتروني مثل بوابة التعليم الإلكتروني ومكتبة قطر الوطنية، أصبح التعلم الذاتي أسهل كثيراً مع حصول السكان على المعلومات بشكل أسرع.
ولكن قطر عموماً لا تقنع أو تركن لما أنجزته حينما يتعلق الأمر بالتزامها نحو تطوير اقتصاد متنوع يعتمد على المعرفة. وستشهد نسخة هذا العام من مؤتمر ومعرض قطر لتكنولوجيا المعلومات (كيتكوم 2019) إلقاء الضوء على أحدث الموضوعات المتعلقة بالمدن الذكية والأمن السيبراني وريادة الأعمال والذكاء الاصطناعي من خلال استضافة كوكبة من المتحدثين البارزين محليا وإقليميا وعالميا.
ويقع تنويع الاقتصاد الوطني موقع القلب من رؤية قطر الوطنية 2030، وهي رؤية تستند إلى العديد من المبادرات التي منها مؤتمر ومعرض قطر لتكنولوجيا المعلومات، الذي يُعد أكبر فعالية في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في قطر، ويُقام في نسخته الخامسة تحت شعار “مدن آمنه وذكية آمنة” في الفترة من 29 أكتوبر إلى 1 نوفمبر في مركز قطر الوطني للمؤتمرات. ويهدف كيتكوم 2019 الذي استقطب حتى الآن أكثر من 100 متحدث بارز و200 شركة عارضة في مجال التكنولوجيا و300 مبتكر ورائد أعمال، إلى أن يكون منصة رئيسية وشاملة للمشاركين فيه لعرض التكنولوجيا الذكية وتبادل المعرفة المتطورة في إطار المساعي الرامية إلى تعزيز ريادة قطر في إنشاء النظام البيئي للمدينة الذكية في المنطقة اعتماداً على نهج متكامل.