لا يخفى على أحد ما يمرّ به لبنان اليوم، فقد سيطر الركود على الاقتصاد اللبناني المثقل بالأزمات، بالتوازي مع انهيار الليرة مقابل الدولار، فيما عجلة السوق شبه متوقفة، فالقدرة الشرائية المعدومة للمواطنين والقطاع الاقتصادي بمؤسساته المتبقية، يجهد للحفاظ على وجوده بانتظار أمل بعيد (وإن طال) ينشله من أزماته.
وخير دليل على أن الأسوأ قادم، هو ما صرّحت به مساعدة وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى “بربارا ليف” حيث قالت بأن (الوضع في لبنان قد يزداد سوءاً مع فراغ غير مسبوق في السلطة)، كلامها هذا الذي تلاقى مع تحذير البطريرك الماروني الكاردينال “مار بشارة بطرس الراعي” الذي صرّح (بأنهم لم يريدوا انتخاب رئيس جديد، ولبنان بأخطر مرحلة من تاريخه السياسي والاقتصادي والمالي والاجتماعي).
واستناداً إلى هذين التصريحين، يبدو أن أمد الفراغ سيكون طويلاً والشلل الذي يطال مؤسسات الدولة سيستمر، فيما مختلف القطاعات تئن تحت وطأة عوامل سياسية واقتصادية قد تحول صمودها لفترة أطول، فالفراغين الرئاسي والحكومي يؤثران سلباً على الإقتصاد اللبناني، خاصةً وأن ثقة اللبنانيين بزعمائهم قد انعدمت في إدارة البلد على مختلف المستويات، فالإقتصاد تراجع من 60 مليار عام 2019 إلى أقل من 20 مليار أي الثلث، ورواتب القطاع العام انخفضت إلى 1/8 مما كانت عليه ورواتب القطاع الخاص إلى 1/3 من السابق.
غالبية السياسيين اللبنانيين وعلى مختلف توجهاتهم، يُجمعون على أنّ لبنان في مأزق سياسي، لكن لا أحد من الساسة اللبنانيين، يملك تصوّراً أو بديلاً يمكن أن يحظى بإجماع اللبنانيين، وحتى شكل وماهية النظام السياسي في لبنان، لا يمكن تجاوز مفرداته الطائفية، للوصول إلى بدائل وخيارات تُجنّب اللبنانيين المزيد من الانحدار. وفي ذات السياق، لطالما كان الاستقرار السياسي بعد الحرب الأهلية، مرهوناً بالاستقرار الاقتصادي والتوازن الطائفي الداخلي وتوازن النفوذ الإقليمي في البلاد، لكن أيّاً من ذلك لم يعد قائماً. فقد أدّى الانهيار الاقتصادي إلى تقليص حادّ للطبقة الوسطى، ودفع غالبية اللبنانيين إلى الفقر وتصاعد النقمة على القادة السياسيين.
كلّ هذه التحوّلات مجتمعة إلى جانب الفساد المتأصّل في الدولة نتيجة للمحاصصة الطائفية والمذهبية، أوصلت لبنان إلى مرحلة ضعفت فيها قدرة النظام السياسي على مواصلة إدارة الأزمات بالشكل الذي اعتاد عليه في السابق. تكمن المخاطر الآن في أن شغوراً رئاسياً طويل الأمد قد يؤدّي إلى انهيار البلاد بشكل أكبر. على الرغم من أنّ منصب الرئيس لا يلعب دوراً جوهرياً في إدارة السلطة التنفيذية، فإنّ الحكومة، التي يُفترض أن تنتقل إليها الصلاحيات الرئاسية بموجب الدستور، مستقيلة وبالتالي هي مقيّدة بشأن كيفية استخدامها.
وبالتالي ومع شغور قصر بعبدا، يبدو أنّ لبنان ذاهب وبقوة نحو نفق سياسي مُظلم، إضافةَ إلى أنّ حالة اللا استقرار الاقتصادي، تفرض ضغطاً مزدوجاً على الطبقة السياسية والمُمسكة بمفاصل القرار السياسي في لبنان، وامتداداته الإقليمية، وعليه، ثمة تساؤلات تؤطر المشهد اللبناني سياسياً واقتصادياً، مع تحديات لا تخلو من إمكانية انفلات أمني، وستكون الأيام المقبلة في لبنان، وربطاً بالتأثير الإقليمي والدولي، ستكون نقطة تحوّل في المشهد السياسي في لبنان.
ورغم أن صندوق نقد الدولي والبنك الدولي ينظران بكل إيجابية لعملية استخراج النفط والغاز من بحر لبنان، ولكنهما في الوقت نفسه لا يريان في هذا الأمر خلاصاً للبنان، معتبرين أنه من دون إصلاحات وحتى مع التنقيب، لن يكون هناك حلٌ، ولا مجال للبنان إلا أن يقطع بمعمودية النار، ويقوم بالإصلاحات المطلوبة واللازمة، حتى لو كان هناك أمل في الغاز والنفط، رغم أن المسؤولين الأميركيين عبّروا عن عدم سرورهم بالتقدم على مستوى الإصلاحات التي طلبوها، مشيرين إلى أن التقدم بطيء جداً ولكنهم لا يزالون مثابرين ومصرّين على التعاون والتقدم في حال تجاوبت الدولة اللبنانية معهم.