مجلة كيو بزنس Q Business Magazine؟
لماذا لا نتبنّى موازنات توسعية على غرار ما تفعله سنغافورة؟
تقوم الدول عادةً بإعداد الموازمة العامة لها مع بداية كل عام من أجل السير بانتظام في إدارة شؤون البلاد المالية، وتقوم بتقديم توقعات للإيرادات والنفقات، وبناء نموذج لكيفية أداء الأعمال وتنفيذ استراتيجيات معينة، وخطط الخروج.. وبالتالي يتم وضع خطة للاقتراض، وخطة للادخار ووواحدة للإنفاق..
وإذا ما نظرنا إلى موازنات الدول العربية بشكل عام، فإننا نراها تحفظية وتُظهر أغلبيتها عجز عام نتيجة السياسات الموضوعة التي تُشكل عبئاً كبيراً على الدولة كونها إجراءات تحفظية ولا تعتمد على الدارسات والتجارب الحديثة.
طبعاً لا أريد أن أفتي فيما لا علم لي به وبما يجب فعله من عدمه، بل نُبقي للخبراء والمتخصصين الرأي والمشورة، إنما ما يلفتنا هو التجارب الناجحة التي تقوم بها الدول حول العالم، ما يجعلنا ننقل هذه التجارب من دورنا كصحفيين ملتزمين بدور إيجابي اتجاه مجتمعنا.
أظهر تقرير أعده بنك QNB أن الحكومة السنغافورية بدأت في تنفيذ موازنة توسعية لعام 2019، وهو ما يعني أن يتحول فائض الحكومة المركزية إلى عجز في المنظور القريب، حيث من المتوقع أن يأتي دافع مالي قصير الأجل بصفة أساسية من زيادة طفيفة في الاستهلاك الخاص بسبب ارتفاع التحويلات الخاصة التي تقدم للفئات ذات الدخل المنخفض، ولكن يُتوقع أن يؤدي جزء كبير من هذه الزيادة في الإنفاق إلى خلق دافع مالي على المدى الطويل.
بدأ الاقتصاد السنغافوري في التباطؤ. ويأتي هذا الاتجاه بعد أن كان النمو يتراوح حول أعلى مستوياته في ثلاث سنوات بسبب العوامل الخارجية الإيجابية المرتبطة بالتوسع العالمي المتزامن وازدهار الطلب على الأجهزة الإلكترونية خلال الفترة من الربع الرابع لعام 2016 إلى الربع الثاني من عام 2018. وتسيطر على الاقتصاد حالياً عوامل سلبية نتيجة تدهور توقعات النمو العالمي. ومع ضعف الطلب في الاقتصادات الكبيرة والناشئة (الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي واليابان والصين)، تتراجع الصادرات السنغافورية، كما يؤثر المزاج العام على النشاط المحلي. ولأن الاقتصاد السنغافوري اقتصاد صغير ومفتوح وتشكل فيه التجارة الخارجية في السلع والخدمات ما يعادل 234 % من الناتج المحلي الإجمالي، فإن سنغافورة حساسة للغاية للتغيرات في اتجاهات الطلب العالمي.
ورغم النهج الحذر المتبع بشأن التوجه التوسعي في سنغافورة، من المقرر أن تصبح السياسة المالية خط الدفاع الرئيسي لمواجهة أي مصاعب في مسار زيادة النمو. وحسب المتابعين للشأن الاقتصادي السنغافوري، فإنها ستلجأ لهذه السياسة نتيجة عدة أمور، أهمها أن إطار السياسة النقدية يحدّ من إمكانات تقديم تحفيزات نقدية في سنغافورة، حيث تقوم السياسة النقدية في سنغافورة على نظام سعر صرف يتميز بالتذبذب داخل نطاق محدد مقابل سلة عملات، يتم فيه تحقيق استقرار الأسعار من خلال إدارة سعر الصرف عوضاً عن إدخال تغييرات في سعر الفائدة الرئيسي. وأيضاً بفضل وضع سنغافورة المالي الجيد واحتياطاتها المالية الضخمة، فإن الحيز المالي لسنغافورة واسع للغاية. وعلى مدى السنوات القليلة الماضية، تجاوزت الميزانية الأهداف المحددة بفضل الأداء المتفوق للإيرادات ووفورات المشاريع وتأخر التدفقات النقدية للإنفاق على التنمية.. وأخيراً كان من الأهمية بمكان وجود سياسة مالية أكثر مساندة لتخفيف قيود العرض على المدى المتوسط، ودعم إعادة التوازن الخارجي، ومعالجة التحديات الديمغرافية الرئيسية. وتعتبر الأموال العامة ضرورية لتعزيز إعادة الهيكلة الاقتصادية وتقديم الحوافز للشركات لزيادة الإنتاجية، بما في ذلك المزايا الضريبية للبحوث والتطوير وتوفير الموارد لتدريب العمال وإعادة التدريب.
ومع هذا ستظل السياسة المالية ميسّرة، ومن المتوقع أن تتيسر أكثر خلال السنوات القادمة. ويتوقع أن تعوض السياسات الأكثر توسعاً عن التأثيرات السلبية الخارجية، بالإضافة إلى تسهيل الجولات الجديدة من التحول الاقتصادي الهيكلي لسنغافورة، فهل هي جريئة ومغامرة بهذا؟ أم أنها تعرف تماماً ما تريد؟ وإن كانت كذلك، فلماذا لا نحذو حذوها؟