مجلة كيو بزنس Q Business Magazine:
تحول التعافي الاقتصادي في منطقة اليورو إلى وضع جديد يتسم بالبطء حيث كان أداء نمو الناتج المحلي الإجمالي قد تراجع أكثر في الأشهر الأخيرة. فقد تباطأ النشاط بشكل ملحوظ خلال الثلاثة أرباع الماضية إلى أن وصل إلى أحدث مفاجأة هبوطية في الربع الثالث، عندما واجهت منطقة اليورو أبطأ نمو خلال ما يقرب من 4 سنوات.
بعد ارتفاعها من 1.6% إلى الذروة التي بلغت 2.4% في مطلع هذا العام، بدأت التوقعات الإجماعية لبلومبيرغ لسنة 2018 حيال النمو في منطقة اليورو في الانخفاض في أبريل، وبلغت الآن 2.0%. وسيركز تحليلنا على دوافع ومحركات الأداء الاقتصادي للمنطقة مؤخراً.
أسهمت خمسة عوامل في ضعف الأداء الذي حدث في الآونة الأخيرة.
أولاً، تضررت منطقة اليورو من تراجع التصنيع الذي جاء مصاحباً لتغيرات تنظيمية متعلقة بالبيئة. فقد أدت التعديلات على الإجراءات المنسقة عالمياً لاختبار المركبات الخفيفة (WLTP) إلى انكماش حاد في قطاع السيارات الأوروبي. وفي الواقع، كانت هذه الإجراءات هي السبب الرئيسي للضعف الملحوظ في نمو منطقة اليورو في الربع الثالث، حيث انخفض إنتاج سيارات الركاب لهذا الربع بنسبة 20% على أساس سنوي في ألمانيا. ومن المهم أن نشير إلى أن إنتاج السيارات يمثل أكثر من 10% من إجمالي الإنتاج الصناعي في ألمانيا، أو 4% من إجمالي الإنتاج الصناعي في منطقة اليورو.
ثانياً، تأثر صافي الصادرات بالتباطؤ الحالي في التجارة العالمية والتأثير السلبي لارتفاع قيمة اليورو بنسبة 14% مقابل الدولار الأمريكي في 2017. وقد تباطأت الصادرات الموسمية للسلع والخدمات إلى 3.8% على أساس سنوي في الربع الثاني، مقارنة بنسبة 6.3% خلال الربع الأخير من 2017 و3.8% في الربع الأول من 2018. ولا تزال بيانات الصادرات غير متوفرة للربع الثالث، لكن من المحتمل أن تكون شهدت مزيداً من التراجع في ظل توقعات بأن يكون التأثير السلبي الناتج عن انخفاض صادرات المركبات أكبر من التأثير الإيجابي لتراجع قيمة اليورو هذا العام.
ثالثاً، يؤثر تزايد حالة عدم اليقين السياسي سلبياً على الأعمال وعلى شعور المستهلكين، ما يتباطأ معه النمو. وارتفع مؤشر عدم اليقين الاقتصادي المستند إلى الأخبار في أوربا بنسبة 20% للسنة حتى تاريخه. وتشمل الأحداث السلبية الخلاف حول الموازنة بين إيطاليا والمفوضية الأوربية، إلى جانب التهديدات الأمريكية بفرض تعريفات جمركية على صادرات السيارات الأوربية. ويشكل الخلاف بين بروكسيل وروما تحدياً كبيراً. فقد طرحت إيطاليا خطة مالية توسعية رفضتها المفوضية الأوربية على خلفية مخاوف بشأن استدامة الديون، وارتفعت هوامش السندات السيادية الإيطالية-الألمانية لأجل عشر سنوات (BTP) بـ 200 نقطة أساس منذ شهر مايو.
رابعاً، ظلت المعوقات المتصلة بالعرض تتزايد في دول رئيسية بمنطقة اليورو، حيث لا يزال نمو الناتج المحلي الإجمالي الفعلي يفوق المعدلات الممكنة. حالياً، يعتبر نمو الناتج المحلي الإجمالي الممكن لمنطقة اليورو منخفضاً، إذ يتراوح بين 1% و1.5% في السنة، مقابل نمو بنسبة 2.4% في العام الماضي ونمو متوقع بنسبة 2.0% في عام 2018. ويعمل تباطؤ النشاط الاقتصادي على تقليص الفجوة في نمو الناتج المحلي الإجمالي (الفارق بين النمو الممكن والنمو الحالي) وتخفيف الضغوط على معوقات الطاقة الانتاجية ونمو الأجور والتضخم.
خامساً، تأثرت منطقة اليورو بعوامل سلبية غير اعتيادية ومؤقتة إلى حد ما. وتتضمن تلك العوامل المؤقتة ارتفاع معدلات الإجازات المرضية وظروف المناخ الشتوي البارد، والإضرابات، فقد تضرر النمو في فرنسا من الإضرابات وتعديلات الإطار الضريبي الجديد، في حين تضررت ألمانيا من ارتفاع معدلات الإجازات المرضية.
وعلى الرغم من كافة العوامل السلبية المؤقتة والدورية التي أثرت على أداء منطقة اليورو، لا تزال التوقعات تشير إلى حدوث انتعاش مستمر ونمو يفوق المعدلات الممكنة. ويشير إجماع توقعات بلومبيرغ إلى نمو بنسبة 1.7% في 2019، أي أعلى بكثير من متوسط نمو الناتج المحلي الإجمالي الفعلي الذي بلغ 0.4% في السنة خلال الفترة 2008-2016.
ﻻ ﻳﺰال اﻻﺳﺘﻬﻼك اﻟﺨﺎص ﻳﻨﻤﻮ ﺑﻘﻮة، ﺣﻴﺚ يعزز ارتفاع مداخيل اﻷﺳﺮ من دعم مكاسب التوظيف وﺘﺴﺎرع نمو اﻷﺟﻮر. كما أن شروط الائتمان سهلة وإيجابية بالنسبة للقطاع الخاص. ويواصل البنك المركزي الأوروبي توفير سياسة نقدية ميسرة، ومن المتوقع أن تكون عملية التطبيع بطيئة وتدريجية. كما يتوقع أن يبدأ التخفيض في برنامج التيسير الكمي في الربع الأخير من عام 2018 وأن يرتفع سعر الفائدة ارتفاعاً معتدلاً بنهاية عام 2019 أو في أوائل عام 2020. ومن المفترض إن تتحول السياسة المالية إلى سياسة توسعية بعض الشيء في العام 2019. علاوة على ذلك، وعلى الرغم من تباطؤ النمو العالمي، من المتوقع أن يتعزز صافي الصادرات مدعوماً بالتأثير المتأخر لتراجع قيمة اليورو بنسبة 7.4% مقابل الدولار الأمريكي بعد أبريل 2018.
(تقرير صادر عن QNB)