سادت حالة من الشك حول كيفية تعافي سوق العقارات في دبي بعد أزمة كوفيد-19، حيث وصل العرض أعلى مستوياته على الإطلاق، وفقد العديد من الأشخاص وظائفهم أو انخفضت رواتبهم، وبلغ تخلف المستأجرين عن السداد معدلاتٍ غير متوقعة. وأدى كل هذا إلى انخفاض عدد العقارات المؤجرة بنسبة 12%، مما أثار مخاوف الملّاك بشأن مستقبل السوق وسط نظرةٍ عامة قاتمة للغاية. ومع رفع حالة الإغلاق واقتراب عام 2020 من نهايته، شهدنا ارتفاعاً غير متوقع في سوق العقارات في دبي بفضل استجابة الحكومة الإماراتية للأزمة وإدارتها، والعمل المميز الذي قام به قطاع الرعاية الصحية بأكمله، وحملات التطعيم الناجحة والمساهمات الفعالة لجميع المواطنين والمقيمين في تحسين واقع المجتمع الإماراتي. كما ساهم افتتاح إكسبو 2020 الذي طال انتظاره، وتطوير القوانين الخاصة بالمستثمرين الأجانب في تحقيق قفزة في مجال الاستثمار العقاري. وأتاحت هذه العوامل مجتمعةً الفرصة لتحقيق نموٍ سريع أدى إلى إنجاز صفقاتٍ عقارية بقيمة 135.4 مليار درهم إماراتي لغاية نوفمبر 2021. ونقدم فيما يلي مراجعةً لمُجريات الأحداث والتوجهات خلال تلك الفترة والتوقعات المرتقبة في عام 2022.
سارعت الإمارات منذ بدء الأزمة الصحية العالمية إلى تطبيق الإجراءات الصارمة والتدابير الضرورية التي أتاحت للدولة احتواء انتشار المرض. كما تدخلت الحكومة وفرضت لوائح وسقوف أسعار الإيجارات بهدف حماية المستأجرين، ووفرت اللقاح، بمجرد أن تم إنتاجه وطرحه للاستخدام، مجاناً لجميع المقيمين، لتكون الإمارات من أوائل الدول في العالم التي حققت معدل تطعيم بنسبة 100%، مما أتاح لدبي العودة إلى الوضع الطبيعي الجديد قبل غيرها من مدن العالم، وعزز مكانتها بصفتها وجهة سياحية واستثمارية مميزة. ووفر تدفق السياح إلى الدولة إلى جانب برامج الإقامة المشجعة التي قدمتها الحكومة فرصةً هائلة للاستثمارات الأجنبية لا سيما مع توجه السياح إلى سوق العقارات في دبي، حيث شهد مايو 2021 زيادةً في الطلب بنسبة 197% مقارنةً بالشهر ذاته في عام 2020. كما شهد قطاع العقارات توجهاتٍ جديدة وتغيّراً في معدلات الطلب بالتزامن مع التغييرات التي فرضتها الأزمة على طبيعة حياتنا.
الحاجة إلى المزيد من المساحة
ازدادت أهمية المساحات الأوسع مع تطبيق تدابير الإغلاق، مما أدى إلى زيادة الطلب على الفلل ومنازل التاون هاوس، بالإضافة إلى الشقق ذات المساحات الكبيرة، حيث شهدت السوق الثانوية للفلل ومنازل التاونهاوس زيادةً بنسبة 15%، بينما ازداد الطلب في قطاع الشقق على الوحدات المكوّنة من غرفتي نوم وثلاث غرف نوم مقارنةً بالاستوديوهات والوحدات المكوّنة من غرفة نوم واحدة، والتي كانت تشهد إقبالاً واسعاً في دبي. كما برزت الحاجة والرغبة في الحصول على المساحات التي تصلها كمية أكبر من الإضاءة الطبيعية، والمناطق العامة الآمنة التي توفر إمكانية القيام بمهام متعددة والوصول إلى جميع الأماكن المهمة.
ازدياد المستخدمين النهائيين
شهدت سوق الإمارات دخول مزيد من المستخدمين النهائيين بفضل ارتفاع المعروض من العقارات الجاهزة، وسعي المستأجرين للحصول على مساحات أكبر، وحفاظ القروض العقارية على معدلات فائدة منخفضة، مما أتاح للمقيمين فرصاً كبيرة لامتلاك المنازل. ويستمر هذا التوجه في عام 2022 مع عودة الأسعار إلى طبيعتها بعد أن بلغت أعلى مستوياتها على الإطلاق في عام 2021، خاصةً بالنسبة لمشاريع الفلل ومنازل التاونهاوس الفاخرة، مما يتيح مجالاً أوسع للاستثمار. ويترسخ إدراك المستثمرين الأجانب لقوة عوائد الإيجار في دبي عند مقارنتها بأسواق المدن العالمية، حتى في فترات الركود، حيث يتراوح معدلها الصافي بين 4-5%. كما يساهم انخفاض أسعار عقارات التملك الحر ومعدلات الفائدة على القروض العقارية، وازدياد قيمة رأس المال، في تعزيز مكانة دبي بصفتها الوجهة الأولى للاستثمار.
زيادة لافتة في الطلب على المنازل الفاخرة
ساهمت قيود السفر وتدابير الإغلاق المستمرة على مستوى العالم في انتقال العديد من الأفراد ذوي الملاءة العالية إلى دبي للاستفادة من البنية التحتية وبيئة الأعمال والمرافق المتاحة وسهولة الحياة في الإمارة، ما أدى إلى ازدهار قطاع العقارات الفاخرة في عام 2021، حيث قام المستثمرون بشراء منزل ثانٍ في دبي أو نقل نشاطاتهم إليها بالكامل، حيث ركزوا على امتلاك الأصول العقارية في نخلة جميرا وتلال الإمارات، ويزداد اهتمامهم حالياً بمناطق مثل الخليج التجاري وقرية جميرا. وظهر هذا واضحاً في قطاع الفلل الفاخرة بشكل رئيسي، حيث ارتفعت الأسعار بنسبة 16.5% على مدار العام، مع تسجيل أكثر من 54 فيلا تم بيعها بحلول سبتمبر 2021 بسعر يزيد عن 10 ملايين دولار أمريكي لكل منها.
الحياة المجتمعية الحديثة
تلتزم العديد من المؤسسات بنموذج العمل الهجين، ولا سيما مع الانتشار الحالي لمتحور أوميكرون. وبالتالي، يستمر سعي المشترين للحصول على مساحات واسعة ومرافق ووسائل راحة وترفيه تتيح الأجواء المناسبة للعائلة وإمكانية العمل من المنزل، مما يعود بالمكاسب على المشاريع التي توفر مرافق راحة مجتمعية متنوعة الخدمات ومواقع متميزة. ويُعد مشروع ZāZEN One في قرية جميرا الدائرية مثالاً رائعاً على ذلك، حيث يُطل مباشرةً على طريق الخيل السريع، على بعد 10 دقائق من إحدى المستشفيات الرئيسية، ويضم مدرستين دوليتين ومركز تسوق جديد ومجموعةً من مرافق الراحة داخل المشروع نفسه.
المسؤولية البيئية
أعلنت الإمارات عن استضافة مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ، ‘COP 28’، في عام 2023، ما يعكس الوعي المتزايد لدى الحكومات والشركات والأفراد على حد سواء حول مسؤوليتهم تجاه بناء مستقبل مستدام. ويقع على عاتق جميع شركات التطوير العقاري حالياً مسؤولية وضع حلول مستدامة في صميم عملية التنمية، نظراً لمساهمة المباني في المدن الحضرية بما يقرب من 40% من انبعاثات الكربون في جميع أنحاء العالم. كما يتوجب على الحكومات إقرار تشريعات وحوافز لتعزيز فرص التنمية المستدامة، انسجاماً مع التزام الإمارات بتحقيق الحياد المناخي بحلول عام 2050.
المرحلة التالية
تشير هذه التوجهات إلى النقاط التي سيتم التركيز عليها في سوق العقارات خلال عام 2022، حيث ستشكل المشاريع المستدامة المجتمعية مركز الاهتمام على مدار السنوات الخمس المقبلة، بالتزامن مع سعي الإمارات والعالم إلى تحقيق أهداف الاستدامة العالمية. ويقدم قطاع العقارات العديد من الحلول للتخفيف من المخاوف المناخية، مثل تحقيق أهداف الحياد المناخي ورفع كفاءة استهلاك الطاقة واعتماد مصادر الطاقة المتجددة. ولا تقتصر فرصة قطاع العقارات على الاستثمار في المباني فقط، بل تتعداها إلى الجوانب المتعلقة بصحة ورفاهية المستأجرين، والاستدامة الاجتماعية، والشمولية والتنوع، وسهولة الوصول، وتوفر السيارات الكهربائية. وستجني المشاريع الرائدة في اعتماد هذا النهج وتوفير هذه المزايا للمقيمين والمستأجرين بأسعار معقولة، مكاسب كبيرة.
وتم تسليم أكثر من 50 ألف وحدة في العام الماضي بإجمالي مبيعات تجاوز 144 مليار درهم إماراتي، بحسب تقرير صدر في عام 2021. وشهدت الفلل ومنازل التاونهاوس أكبر زيادة في القيمة والطلب، لكن برزت أيضاً زيادة كبيرة في مبيعات الشقق مقارنةً بعام 2020 كما هو موضح أدناه، ومن المتوقع أن يستمر هذا التوجه في عام 2022. وأعتقد أن سوق العقارات يشهد تطوراً في دبي على وجه التحديد بفضل القواعد التنظيمية المميزة ودعم المشترين وانخفاض معدلات الفائدة على القروض العقارية، مما يساهم في تأسيس سوق يركز على المستخدم النهائي.
وشهدنا عدداً كبيراً من عمليات الإطلاق الجديدة للمشاريع على المخطط في الربع الرابع من عام 2021 بسبب نفاد المعروض من المشاريع الجاهزة، وخاصة الفلل ومنازل التاونهاوس. ووضعت شركات التطوير العقاري الرئيسية الخاصة والمدعومة من الحكومة مخططات لتنفيذ مشاريع منازل تاونهاوس متعددة ومجمعات فلل، والتي من المقرر تسليمها في عام 2024، مما سيؤدي على الأرجح إلى انخفاض الأسعار في سوق الفلل ومنازل التاونهاوس بمرور الوقت. وستحقق شركات تطوير الشقق بما تملكه من شقق متاحة للبيع، وما تتميز به من عروض تركز على المجتمع أو عروضٍ مستدامة، مكاسب مهمة بحلول عام 2022.
وستبرز الحاجة على المدى الطويل إلى عمال من الطبقة المتوسطة يتمتعون بمهارات عالية مع تركيز الحكومة الإماراتية على تطوير قطاع التصنيع، مما يؤدي إلى توفير عدد أكبر من الوظائف، وزيادة الإنفاق، والحاجة المستمرة لتوفير المساكن لاستيعاب الزيادة في عدد السكان. ويبدو قطاع العقارات في دبي مستعداً لتحقيق النمو المتواصل واستقطاب المزيد من المشترين محلياً وعالمياً بفضل وجود حكومةٍ تعتمد رؤيةً مستقبلية، وبفضل وجود بنيةٍ تحتية عالمية المستوى وبيئة أعمال متعددة الثقافات.