بقلم محمود محمد دياب، مدير عام ورئيس تحرير مجلة “كيو بزنس Q Business Magazine”:
رغم تحذيرات غالبية العاملين في المجال الطبي والمتخصصين في إدارة الأزمات والكوارث من خطورة جائحة كورونا منذ بداية ظهورها أواخر العام المنصرم، إلا أن كافة نداءاتهم ذهبت أدراج الرياح ولم يكثرث لها أحداً، سواء من الشعوب أو من الحكومات (رغم محاولة احتواء الأزمة في الأشهر الأولى)، والنتيجة في المحصلة ملايين الإصابات والوفيات، ووضع صحي كارثي، وانهيار اقتصادي مخيف سيحمل معه بكل تأكيد العديد من الويلات في قادم الأشهر لا محالة.
ما رأيناه في الأيام الأخيرة لا يٌبشر أبداً، فتكاليف الاقتراض بدأت بالارتفاع مع تشديد الأوضاع المالية، نظراً لتشكيك البنوك في قدرة المستهلكين والشركات على سداد القروض في الوقت المحدد لها. وهو من شأنه أن يكشف عن مواطن الضعف المالي التي تراكمت خلال سنوات في الدول النامية، وهو ما يمكن أن يؤدي إلى تصاعد المخاطر من عدم إمكانية تمديد الديون، ثم من شأن انخفاض الائتمان أن يزيد من تباطؤ النشاط الناجم عن صدمات العرض والطلب.
بالعودة إلى الواقع الاجتماعي بعيداً عن النظريات الاقتصادية وتقلباتها، يظهر السؤال الأهم، هل سبّب إهمال الكثير من الحكومات واهتمامهم بالجانب الاقتصادي على حساب صحة المواطن بتفشي هذه الجائحة؟ أم أن قلة وعي وإدراك الناس كان لها الأثر الأكبر؟
تختلف الإجابة على هذا السؤال بين دولة وأخرى، فعلى سبيل المثال حمّلت صحيفة “دي تسايت” الألمانية الحكومة الأميركية سبب تفشي الفيروس، وقالت إنّ الإهمال الحكومي في الولايات المتحدة يعتبر من أسباب اندلاع موجة تفشي ثانية لفيروس كورونا في أمريكا. وأضافت، أنه في حين أن بؤرة كورونا الساخنة السابقة “نيويورك” قد سيطرت على الوباء بعد أشهر من الغفلة، أصبحت الآن ولاية أريزونا أحد البؤر الجديدة. واختتمت بالقول أن الحكومة الأميركية لم تضع استراتيجية تحدد التدابير الأساسية في البلاد.
في لبنان، يقول المنسق المقيم للأمم المتحدة ومنسق الشؤون الإنسانية بالإنابة “كلاوديو كوردوني”: (وصل فیروس كورونا المستجد (كوفید19) إلى هذا البلد الصغير الذي يرزح تحت وطأة أزمة اقتصادية ومالية خطيرة، وأزمة لاجئين مستمرة، مع احتجاجات جماهيرية مستمرة ضد الحكومة، لقد أتت هذه الأزمة الصحية في وقت عصيب للبنان اقتصادياً ومالياً واجتماعياً).
ومعها بدأ لبنان تنفيذ التعبئة العامة، وإغلاق حدوده البرية، والمطار والموانئ البحرية، وتوقيف عمل الشركات غير الضرورية للحدّ من انتشار فيروس كورونا (كوفيد19). ثم حاولت السلطات اللبنانية احتواء الأزمة والحدّ من انتشار هذا المرض الفتاك الذي يهدد حياة الناس، إلا أن جهودها باءت بالفشل للعديد من الأسباب والتي يأتي في مقدمتها، عدم التشدد في الإجراءات ومخالفة وتغريم المخالفين لشروط الحجر أو الإجراءات الاحترازية، ثم عدم تأمين بدائل معيشية أو تموينية لأصحاب المهن الحرة الذين يعملون يوماً بيوم، إضافةً لعدم توحيد الإجراءات بين منطقة أخرى. أما الطامة الكبرى فكانت قلة وعي الناس بخطورة المرض، حيث كانت اللامبالاة هي الحالة السائدة، وإقامة الحفلات وحضور المناسبات الاجتماعية، مع انعدام التدابير الوقائية والاحترازية، والأخطر كان في عدم تصديق الكثيرين لوجود مثل هذا المرض، رغم ظهور الأعراض الواضحة معلّلين السبب بأنه زكام عابر ولا خطورة منه على الإطلاق، وهو ما أدّى بالمحصلة لوضع صحي كارثي يعصف بالبلد.
لذا ما عساي أقول لكم سوى احترموا التوصيات واستمعوا للنصائح، الزموا بيوتكم وحافظوا على النظافة، إياكم والاختلاط، اقرؤوا، حافظوا على أبدانكم وراجعوا أخطاءكم، ولا تفجعونا فيكم ولا في أقاربكم، بارك الله بكم..