موسكو – تسبب قرار شركتي أنظمة الدفع العالمية الرئيسية فيزا (Visa) وماستركارد (Mastercard) بتعليق العمل بروسيا في حالة إرباك داخل الشارع الروسي، وأعاد بقوة طرح موضوع الآلية البديلة التي ستعتمدها البنوك الروسية لمواجهة تداعيات القرار، الذي جاء ضمن قائمة عقوبات غربية غير مسبوقة ضد موسكو بسبب الحرب في أوكرانيا.
وفي محاولة منه لوضح حد لحالة اللبس وطمأنة الشارع، أوضح البنك المركزي الروسي أن فصل روسيا عن نظام الدفع العالمي وتوقف بطاقات أنظمة الدفع الدولية عن العمل، لن يؤثرا على عمل البطاقات المذكورة إذا تم إصدارها في روسيا، وستبقى تعمل بشكل طبيعي في جميع أنحاء البلاد، لكنها لن تكون صالحة في نظام الشراء من المتاجر الأجنبية عبر الإنترنت كـ”آبل باي” (Apple pay) و”غوغل باي” (Google pay).
كما أنها لن تعمل إذا تم استصدارها من قبل البنوك الروسية الخاضعة للعقوبات كبنك “في تي بي” و”سوفكومبنك” و”نوفيكومبنك” وغيرها.
بديل وطني
وتملك روسيا نسختها المحلية لنظام الدفع الوطني، وهي بطاقات “مير” (Mir) التي تعتبر الأساسية بالنسبة لـ42% من حاملي البطاقات المصرفية في روسيا، وفقا لمركز سكولكوفو نيس للتقنيات المالية وأبحاث الاقتصاد، بناءًا على مسح أجراه لـ1600 روسي في العام الماضي.
وتم إصدارها لأول مرة في العام 2015، ويتعامل بها حوالي 100 مليون مستخدم، وصالحة للاستعال في عدد من الدول، من بينها تركيا وفيتنام وأرمينيا وأوزبكستان وبيلاروسيا وكازاخستان وقرغيزستان وطاجيكستان وأوسيتيا الجنوبية وأبخازيا.
وعلى خلفية أزمة القرم في عام 2014، والعقوبات الغربية التي تلت انضمام شبة الجزيرة إلى روسيا، لجأت موسكو إلى استحداث نظام تحويل الرسائل المالية الخاص بها “إس بي إف سي” (SBFC)، ليكون بديلا إذا تم فصلها عن نظام “سويفت” (SWIFT) الدولي لتحويل الأموال.
نصف نتيجة
وإلى حد ما، يذكر الموقف مع حظر سويفت بتجميد احتياطات روسيا من الذهب والعملات الأجنبية، فبعد الحظر والضغوط التي مورست على روسيا في السابق، اعترف رئيس الدبلوماسية الأوروبية جوزيب بوريل بأن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والحلفاء ليس لديهم الفرصة للقيام بذلك بشكل كامل، وتمكنوا فقط من تجميد نصف أصول البنك المركزي الروسي.
ويتوقف على فاعلية الخطوات الروسية المضادة منع البلاد من تكبد خسائر مالية طائلة، فضلا عن حل إشكالية التعامل المالي مع الكثير من الدول والبنوك التي تتعامل بنظام سويفت.
في المقابل، يوجد شبه إجماع لدى الخبراء في مجال الاقتصاد على أن روسيا ليست وحدها من “سيتألم” من بترها من نظام سويفت، بل البلدان التي تتعامل تجاريا معها وشاركت في حرب العقوبات عليها، إذ تعد مشتريا كبيرا للبضائع الأوروبية، وموردا رئيسيا للاتحاد الأوروبي للنفط الخام والغاز الطبيعي والوقود الأحفوري الصلب، ومن المؤكد أن الأسواق الأوروبية ستواجه صعوبة كبيرة في العثور على موردين بدائل.
ويعتقد الخبير الاقتصادي ونائب رئيس معهد التنبؤ بالنزاعات ألكسندر كوزنيتسوف أن البنوك الروسية ستلجأ على ضوء الحقائق الجديدة إلى توسيع استخدام بطاقاتها التأمينية الوطنية للاستغناء التدريجي عن البطاقات الأجنبية، لكن في موضوع التعاملات المالية الخارجية ستلجأ للاستعانة بنظام “يونيون باي” (UnionPay) الصيني المعترف به عالميا، ومن قبل الولايات المتحدة كذلك، كإحدى وسائل الإفلات من العقوبات، رغم الصعوبات التي ستواجه ذلك.
ورأى أن المرحلة الأولى من الإجراءات المضادة ستتضمن ما يسمى بطرق الالتفاف الرمادية، لتجاوز العقوبات الجديدة بخصوص التعاملات البنكية، كما فعلت إيران منذ بداية تعرضها للعقوبات، لكنه أشار إلى أن هذه الطريقة مكلفة جدا بسبب العمولات الضخمة التي تتحصلها البنوك والجهات الوسيطة.
طرق التفافية
لكنه، في المقابل، خفف من تداعيات العقوبات على المدى البعيد نظرا لوجود طرق للالتفاف على العقوبات، ووجود خبرات متراكمة في هذا المجال كشفت عنها التجربة الإيرانية، ومكنتها من بيع النفط والغاز وشراء الآلات والمعدات الأجنبية، لكها تسببت في الوقت ذاته في خسائر بمليارات الدولارات، لم يكن من مفر منها بسبب السلسلة الطويلة من الوسطاء.
ورجح كذلك أن تتم العودة إلى استخدام نظام تيليكس، الذي سيتطلب إجراء التحويلات البنكية من خلاله إلى عملية “تحايل”، كإعطاء المبالغ المحولة صفة الإيداع وليس الدفع، قبل أن يتم تغيير تاريخ التحويلات، هو ما يمكن فعله دون الحاجة إلى نظام سويفت، لكن هذه الطريقة بدورها تعاني كذلك من ضياع جزء من الأرباح، نتيجة العمولات الكبيرة التي ستتلقاها البنوك الوسيطة مقابل هذه العملية.
ويؤكد الخبير الروسي أن روسيا في كل الأحوال لن تكون شبيهة بكوريا الشمالية في موضوع العقوبات، من حيث انحسار القدرة على التعاملات مع الخارج في موضوع البيع والشراء، لكن الخسائر ستكون ملموسة بالنسبة للمواطنين العاديين ورجال الأعمال والشركات الكبرى.
ويوضح أنه لهذا السبب تراجع عدد البنوك الروسية من حوالي 600 إلى نحو 200، ويمكن أن يقل هذا العدد للبنوك التي تعتبر المصارف الأميركية والأوروبية مصدر العملات الصعبة بالنسبة لها، مما سيؤدي لإفلاس جزء منها.
ويختم بأنه أيا تكن تداعيات قطع روسيا عن نظام المراسلات المالية، فإنها ستضرب البنوك الغربية كذلك، وهو ما بدا يظهر مع الارتفاع الهائل في أسعار النفط والغاز، وبما أن القارة الأوروبية تعتمد على الغاز ليس للتدفئة فحسب، بل لإنتاج الطاقة الكهربائية بالدرجة الأولى، فإن ارتفاع أسعار الغاز سيؤدي حتمًا لارتفاع أسعار البضائع والمنتجات الأوروبية، مما سيخلق لها أزمة، لن تكون تأثيراتها أقل من تلك التي ستطال الاقتصاد الروسي.
المصدر : الجزيرة