بخلاف الأسرة الحاكمة في المملكة العربية السعودية التي تقيدها التحالفات مع معارضي المذهب الوهابي، تدفع القيادة السياسية في دولة قطر باتجاه تأسيس مجتمع يواكب العولمة.
جاء هذا في المقال الذي نشره جاري واسرمان، أستاذ الشؤون الحكومية في جامعة جورجتاون، كلية الشؤون الدولية في قطر، بصحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية تحت عنوان «حقيقة قطر» والذي راح يسلط فيه الضوء على تجربته الشخصية التي عاشها في دولة قطر وملامح وأهداف السياسة الخارجية والداخلية التي تتبناها الدولة الخليجية والتي تهدف أساسا لتعزيز مكانتها على الخارطة العالمية.
وذكر واسرمان أن دولة قطر التي عاش بها لمدة ثمانية أعوام تختلف كليا وجزئيا عن الصورة التي تظهر بها الإعلانات المتلفزة في واشنطن، والتي ينتقدها فيها المسؤولون في إدارة الرئيس دونالد ترامب بزعم مساعدتها الجماعات المسلحة.
وقال واسرمان إن تلك الانتقادات هي بالطبع أحكام قاسية وغير منصفة لبلد ينتهج سياسة سلمية، مضيفا: «هذا ما أثبتته لي التجربة التي عايشتها بنفسي». وذكر واسرمان أن قطر، الدولة الغنية بمصادر الطاقة والصغيرة من حيث المساحة، تقع في منطقة تثير أطماع الكثيرين، لكنها مع ذلك تنتهج سياسة خارجية حكيمة تهدف في المقام الأول إلى تجنب استعداء أحد، وتأسيس علاقات صداقة مع الجميع.
وأشار كاتب المقال إلى أن تلك السياسة وإن اشتملت على تقديم الدعم لجماعات مثل «الإخوان المسلمين» التي تراها الأنظمة الحاكمة في بعض الدول خطرا عليها، فإن البلد الخليجي يستضيف أيضا قاعدة «العديد» الجوية الأمريكية التي تعد المقر الإقليمي للقيادة المركزية الأمريكية في المنطقة وتحوي أكثر من 10 آلاف فرد من القوات الأمريكية.
وأوضح الكاتب أن الجيش الأمريكي يلقى ترحابا واسعا في قطر بعدما تعرض لضغوط لمغادرة المملكة العربية السعودية.
وأفاد الكاتب أن قطر نفسها تنتهج مبدأ العولمة الليبرالية التي تتسق مع القيم الغربية وبدرجة أكبر بكثير جدا من جيرانها المتشددين، لافتا إلى أنه وبغض النظر عن الاستثمارات الضخمة التي تضخها في الاقتصادات الغربية، تهدف السياسات العامة لدولة قطر إلى وضعها كلاعب مؤثر على خارطة الأحداث العالمية.
وقال واسرمان إن السياسة الخارجية القطرية تؤكد على المساعدات الإنسانية التي اشتملت على سبيل المثال لا الحصر تقديم 100 مليون دولار لضحايا إعصار كاترينا الذي ضرب الولايات المتحدة، ودورها كوسيط لحل الصراعات الإقليمية بدءا من إريتريا وانتهاء بقطاع غزة، ناهيك عن توفيرها الملاذ الآمن للمنفيين والمعارضين السياسيين الذين تضطهدهم أنظمة الحكم السلطوية في بلدانهم لمجرد إبداء آرائهم.
وذكر كاتب المقال أنه وعلى الصعيد المحلي، تطبق دولة قطر نظام التعليم الثانوي الأمريكي من خلال دعوة ست جامعات أمريكية عريقة – نورث ويسترن، كارنيجي ميلون، وويل كورنيل ميديسن، وتكساس إيه & إم، وفيرجينيا كومنولث وجورجتاون – لفتح فروع لها في مدينة التعليم القطرية، لافتا إلى أن تلك الكليات تعمل بأعضاء هيئة التدريس الأصليين التابعين لها، وبحرية أكاديمية كاملة وفق معاييرها الجامعية الخاصة بها.
وأفاد الكاتب أن قطر، بخلاف المملكة العربية السعودية، هي البلد التي تستطيع فيه المرأة أن تقود السيارة بنفسها وتحضر المحاضرات التعليمية وتصل إلى أعلى الوظائف الحكومية والمجتمعية، مردفا: إن السيدات القطريات يحصلن على قدر كبير من التعليم ويصبحن أكثر جاهزية لتولي المناصب، ليتفوقن بذلك على نظرائهن في البلدان الخليجية الأخرى.
وسلط كاتب المقال الضوء على وسائل الإعلام القطرية، وفي مقدمتها قناة الجزيرة المدعومة ماليا من جانب الدولة والتي تحظى بأكبر نسبة مشاهدة في العالم العربي، قائلا إنها تتسم بالمصداقية نظرا لأن حكومة قطر منحتها حرية غير مسبوقة في المنطقة لتغطية الأخبار العالمية، مثل تخصيص وقت على الهواء لسماع الرأي والرأي الآخر، وأيضا منح الفرصة لمعارضي الأنظمة المستبدة لعرض وجهة نظرهم.
واختتم جاري واسرمان مقاله بالإشارة إلى الدور الذي لعبته الجزيرة في الربيع العربي من خلال تغطيتها النزيهة للمظاهرات والانتفاضات التي شهدها عدد من البلدان العربية، قائلا إن هذا هو ما دعا دول المقاطعة الخليجية إلى المطالبة بإغلاق القناة كأحد المطالب الرئيسية لرفع الحصار المفروض على الدوحة.