مجلة كيو بزنس Q Business Magazine
المؤشرات الدورية تشير إلى تباطؤ إضافي في نمو الاقتصاد العالمي
في مثل هذا الوقت على مدار العامين الماضيين، كان الاقتصاد العالمي يستفيد من بعض أسباب التفاؤل حيث كان النمو يتسارع بطريقة متزامنة عبر مختلف البلدان والمناطق برغم المخاطر السياسية القائمة والمتصاعدة. وفي وقت كتابة هذا التقرير، في الأسبوع الأول من عام 2019، لا تزال المخاطر السياسية مستمرة، وقد تلاشى التفاؤل السابق على وقع التغيرات السلبية الكبيرة في أسواق الأسهم الرئيسية، مع حدوث بعض التصحيحات وتراجع مؤشرات الأسهم الأمريكية إلى منطقة الهبوط. ولكن مزاج السوق متقلب، كما بإمكانه أن يكون مضللاً في كثير من الأحيان. ومع بداية العام الجديد 2019، ما هي المؤشرات الدورية لوضع الاقتصاد العالمي؟
في حين أن الناتج المحلي الإجمالي هو المقياس الأكثر أهمية لقياس الأداء الاقتصادي، إلا أنه ليس مقياساً جيداً من حيث توقيته أو دقته، حيث لا يتم إصدار التقديرات الرسمية إلا بشكل ربع سنوي ومع وجود فارق زمني، كما أنه غالباً ما تتم مراجعة القراءات الأولية في مرحلة لاحقة. وعليه، يتعين علينا استخدام مؤشرات رئيسية أخرى من أجل توفير صورة أدقّ للاقتصاد العالمي تعكس الوقت الحقيقي. بعبارة أخرى، بما أن أرقام الناتج المحلي الإجمالي الرسمية لا يتم إصدارها إلا بعد مضي بعض الوقت أو بعد أن تكون الدورة الاقتصادية قد تحركت إلى الأمام، فإننا نحتاج لمؤشرات متزامنة وتنبؤية تعبر عن الأوضاع الاقتصادية في الوقت الحاضر أو حتى المستقبل القريب. ويرسم تحليلنا الحالي صورة الزخم الاقتصادي العالمي استناداً إلى مؤشرات مديري المشتريات الصناعية وحجم التجارة في البلدان التي تقدم تقارير مبكرة.
إن مؤشرات مدراء المشتريات في قطاع التصنيع هي مؤشرات تلخص الاتجاه العام استناداً إلى استبيانات شهرية للأعمال يجيب فيها المشاركون ما إذا كانت المتغيرات مثل الإنتاج والتوظيف قد تحسنت أو ساءت مقارنة بالشهر السابق. وتشير القراءات التي تفوق 50 إلى الارتفاع والتحسن، والقراءات دون مستوى الـ 50 إلى التراجع. وتعتبر مؤشرات مدراء المشتريات أكثر المؤشرات دقة وملاءمة في وصف حالة الطلب العالمي، كما ظلت مؤشرات مدراء المشتريات في قطاع التصنيع أفضل أداة لقياس النشاط العالمي في السنوات الأخيرة.
ووفقاً لمؤشر مدراء المشتريات في قطاع التصنيع العالمي الخاص بـ IHS Markit، فإن النشاط الاقتصادي ظل يتباطأ منذ بداية 2018، كما يقدر أن يكون الفصل الرابع من 2018 قد شهد مزيداً من التراجع الذي سيستمر خلال الفصل الأول من 2019. ورغم أن أرقام مؤشر مدراء المشتريات في قطاع التصنيع العالمي لشهر ديسمبر 2018 لا تزال ضمن نطاق الارتفاع عند مستوى 51.5، إلا أنها أقل بكثير من 54.5 المسجلة في ديسمبر 2017.
وعلى نحو هام، تشير مؤشرات مدراء المشتريات في قطاع التصنيع على مستوى البلدان والمناطق إلى استمرار التباين الأخير في اتجاهات نمو الاقتصاد العالمي، أي أن اقتصادات متشابهة في مستوى نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي تنمو بوتيرة متباينة بشكل ملحوظ. فبينما تظل أرقام مؤشر مدراء المشتريات في قطاع التصنيع في الولايات المتحدة قوية وتقارب مستوى الطفرة الذي تحقق مؤخراً، تراجعت أرقام منطقة اليورو بشكل كبير إلى ما يقرب من أدنى مستوياتها في 3 سنوات. في حالة الولايات المتحدة، لا تزال المكونات الفرعية لمؤشر مدراء المشتريات تشير إلى قوة الطلبات الجديدة وتراجع المخزونات نسبياً، ما يستشف منه أن النشاط الاقتصادي سيستمر بوتيرة معقولة في المدى القصير. وظل مؤشر مدراء مشتريات القطاع الصناعي في اليابان ينخفض بشكل كبير خلال العام وبشكل خاص في الأشهر الأخيرة. وتشير مؤشرات مدراء مشتريات في الأسواق الناشئة والصين أيضاً إلى تدهور الطلب مع تجاوز القراءات لحاجر الـ 50 نقطة.
وتعتبر صادرات الاقتصادات التي تقدم تقاريرها بصفة مبكرة والتي تتسم بدرجات عالية من الانفتاح في شرق آسيا (اليابان وكوريا الجنوبية وسنغافورة وتايوان) أيضاً مقياساً هاماً يمكن الاعتماد عليه في رصد الطلب العالمي. ووفقاً لهذا المؤشر، هناك أيضاً أدلة تشير لحدوث تباطؤ، فقد هبط متوسط النمو السنوي للصادرات خلال ثلاثة أشهر من النسبة الكبيرة المسجلة في الفترة بين فبراير 2017 وفبراير 2018 إلى 4.8% في نوفمبر 2018. وبالإضافة إلى ذلك، ظلت الاستطلاعات المستقبلية لطلبات التصدير الخاصة بالشركات تتراجع، وهو ما يشير إلى أن النمو السنوي للتجارة سيشهد تباطؤاً إضافياً في الأشهر المقبلة.
أظهرت بيانات التصدير الخاصة بكوريا الجنوبية للفترة السابقة، والتي يتم إصدارها دائماً في اليوم الأول من كل شهر، تراجعاً في ديسمبر 2018، مما يشير إلى المزيد من الضعف في الأنشطة والتجارة العالمية. ومن الأهمية بمكان حقيقة أن الصادرات إلى الصين قد تراجعت بشكل ملحوظ (13.9% على أساس سنوي) في الشهر الماضي، الأمر الذي لا يبشر بخير من حيث توقعات النشاط في ثاني أكبر اقتصاد في العالم أو من حيث المشاعر المرتبطة باستمرار النزاعات التجارية بين الولايات المتحدة والصين. وتعتبر كوريا الجنوبية مصدراً رئيسياً للمدخلات الصناعية الوسيطة لقطاع التصدير في الصين، وتتأثر بشكل غير مباشر بالتوترات التجارية بين الولايات المتحدة والصين.
باختصار، تشير هذه المؤشرات الدورية إلى أن الاقتصاد العالمي قد بلغ ذروته بالفعل، وهو الآن يتراجع أكثر في عام 2019.
(تقرير صادر QNB)