أكد صانعو السياسات الصينيون، على الحاجة إلى زيادة جودة النمو بدلاً من زيادة سرعته. تشير الإجراءات التي اتخذتها السلطات خلال العام الماضي تشير إلى أنها ستصبح حقيقة واقعة في عام 2018. وسيتعين على صناع السياسات في سبيل ذلك أن يحققوا توازناً دقيقاً بين دعم النمو الاقتصادي، وذلك أساساً من خلال تحفيز قليل الفعالية للاقتراض، ومعالجة التحديات طويلة الأجل التي تفرضها أعباء الديون الضخمة والطاقة الإنتاجية الفائضة. وقد اضطرت السلطات الصينية في ظل ضعف البيئة العالمية في السنوات القليلة الماضية لإعطاء الأولوية للنمو من خلال التحفيز لمواجهة مخاوف فرط التباطؤ. وبعد التحسن الذي طرأ على الاقتصاد العالمي، يتحول الاهتمام الآن نحو إدخال إصلاحات اقتصادية. ورغم أن النمو سيتأثر سلباً بهذه الإصلاحات على المدى القصير، إلا أنه لابد من قبول مثل هذا الأثر، حيث إن الحد من مخاطر الاستقرار المالي الحالية سيضمن نمواً أكثر استدامة على المدى الطويل بالنسبة للصين والاقتصاد العالمي. بدأت السلطات الصينية في العمل على مجالين رئيسيين للإصلاح. المجال الأول هو إقرار وتنفيذ تدابير لكبح جماح تراكم الائتمان، وإدارة أعباء الديون الكبيرة الحالية. وفي هذا الصدد، نفذت تدابير تدريجية هامة، مثل وضع شروط متشددة للاقتراض في سوق العقارات، ورفع أسعار الفائدة فيما بين البنوك للحد من الإقراض قصير الأجل، والقضاء على الإقراض من بنوك الظل. كما جرت أيضاً مناقشات حول الطرق الكفيلة للحد من اقتراض الحكومات المحلية، مما ساهم في إبطاء نمو إجمالي الائتمان الذي ظل ينخفض منذ شهر يوليو الماضي. ويضاف إلى ذلك تعزز قدرة السلطات وتصميمها على تشديد ضوابط القطاع المصرفي والقوانين الأخرى حسب الحاجة. ففي 2016، أنشأ بنك الشعب الصيني (البنك المركزي) إطار التقييم الاحترازي الكلي من أجل مراقبة جميع فئات الأصول تقريباً، بما في ذلك القروض المصرفية والسندات والأسهم، علاوة على كفاءة الاستثمارات في هذه الأصول. وتوسعت صلاحيات البنك المركزي الصيني أكثر في 2017 بموجب إطار التقييم هذا، كما تم مؤخراً إنشاء لجنة مشتركة جديدة تضم هيئات حكومية أخرى للمراقبة وتنسيق العمل لمواجهة المخاطر على الاستقرار المالي. علاوة على ذلك، صرح العديد من المسؤولين الكبار مؤخراً، بمن فيهم محافظ البنك المركزي، بالتحديات والمخاطر الكبيرة التي تواجه الصين في حال فشلت في الحد من اعتمادها على الائتمان بشكل صحيح. وهذه مؤشرات مهمة على أن صناع القرار يستعدون لزيادة الضغوط على مخصصات الائتمان في 2018. تهدف الحزمة الثانية من الإصلاحات إلى التغلب على مشكلة الفائض الكبير في الطاقة الإنتاجية لدى الشركات المملوكة للدولة في الصين. ونتيجة للطفرة السريعة في الائتمان، أصبح فائض الطاقة الإنتاجية في الشركات المملوكة للدولة يشكل مخاطر كبيرة للاقتصاد لأن هذه الشركات تستحوذ على أكثر من نصف إجمالي ديون الصين أو ما يمثل 167% من الناتج المحلي الإجمالي. وبالتالي، فإن تعزيز إيرادات الشركات المملوكة للدولة وتحسين قدرتها على خدمة ديونها يعد أمراً حاسماً في التغلب على مشكلة الديون في الصين. في عام 2017، زادت الحكومة الصينية الجهود التي تبذلها لتحقيق هذه الغاية بشكل كبير، حيث فرضت تخفيضات للإنتاج بنسبة 5% في قطاعي الصلب والفحم، وأصدرت قوانين بيئية للمصانع الكبيرة التي تتجاوز متطلبات الانبعاثات.
وتمثلت النتيجة النهائية لذلك في تخفيضات كبيرة في الإمدادات أدت بدورها إلى تعزيز أسعار المنتجات الصناعية ودعم التدفقات النقدية للشركات المملوكة للدولة.
وقد ساعد تحسن الأرباح في استقرار معدلات مديونية الشركات المملوكة للدولة. وكان عام 2017 هو أول عام منذ 2011 لم ترتفع فيه نسبة ديون الشركات إلى الناتج المحلي الإجمالي. ونتوقع زيادة هذه التدابير في عام 2018. ومن المرجح أن يؤدي نجاح تخفيضات الإنتاج المفروضة على قطاعي الفحم والصلب إلى موجة من التخفيضات المستهدفة في قطاعات أخرى تعاني من فرط الإنتاجية. من الملاحظ أن كلتا حزمتي الإصلاحات تنطويان على خفض لنمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في عام 2018. وعلى ذلك نتوقع تباطؤ النمو من 6.8% في عام 2017 إلى 6.4% في عام 2018، لكن تأثير ذلك على النمو قصير الأجل سيكون ضئيلاً. فالصين تسير بخطى ثابتة نحو تحقيق هدفها المتمثل في مضاعفة الناتج المحلي الإجمالي الاسمي بحلول عام 2020. ولكن الأمر الأهم من رفع معدلات النمو هو تقليل مخاطر أزمة الديون التي يمكن أن تكون لها تداعيات سلبية كبيرة على الاقتصاد العالمي. وسيكون تنفيذ الإصلاحات المطلوبة لتحقيق تلك الغاية والتأكد من فعاليتها عملية تدريجية، ولكنها ستجعل الصين وبقية العالم في وضع أفضل.