مجلة كيو بزنس Q Business Magazine:
في إطار التقرير الذي نشره مؤخراً بعنوان إعادة هيكلة أنظمة الشركات يقول معهد المحاسبين القانونيين في انجلترا وويلز ICAEW إن شركات المحاسبة تحتاج إلى إعادة النظر في هيكلها التنظيمي، وثقافتها وأفرادها وممارستها لتكون متأهبة ومستعدة للمنافسة في العالم الرقمي. وتأمل المؤسسة المتخصصة في المحاسبة والتمويل في أن يتجاوز التحوّل الأدوات أو الخدمات الرقمية، بما يضمن لشركات المحاسبة مواكبة متطلبات العصر الرقمي.
تواجه مهنة المحاسبة، كمعظم المهن التقليدية، مستقبلاً غامضاً إذا ما فشلت في التكيف مع المتغيرات السريعة التي تطال مشهد الأعمال. وتعاني الشركات من ضغوطات عديدة لإجراء تغييرات جذرية، نتيجة لطفرة التقنيات الجديدة، والجيل الأصغر من الموظفين، والمصادر الجديدة للمنافسة والتشريعات واللوائح، وكذلك توقعات العملاء.
ووفقاً لمعهد المحاسبين القانونيين ICAEW، فإن العديد من الهياكل التنظيمية والممارسات والعمليات التي جعلت الشركات تتمتع بالموثوقية أو منحتها ميزة تنافسية في الماضي، هي الآن تعيق تقدمها. ويمكن للشركات الناشئة التي لا تملك هذه المقومات، وتتبنّى ثقافة العمل الحديثة والمتصلة بالشبكة، أن تتغلّب على أفضل الشركات الكبيرة المموّلة على نطاق واسع، لأنها ببساطة تستطيع أن تتحرك وتستجيب بشكل أسرع، وأن تنجز المهام والأعمال المطلوبة بتكاليف أقل، وباستطاعتها أن تكون أكثر إنتاجية.
وقال مايكل آرمسترونغ، المحاسب القانوني المعتمد، والمدير الإقليمي لمعهد المحاسبين القانونيين ICAEW في الشرق الأوسط وإفريقيا وجنوب آسيا: “إن التغييرات التي تقودها مجموعة من العوامل، من شأنها أن تحدث تحولات جذرية وتأثيرات ملموسة على جميع جوانب الأعمال والمجتمع خلال السنوات المقبلة. وسيؤدي ذلك إلى إعادة رسم ملامح مهنة المحاسبة في مختلف أنحاء إفريقيا وأوروبا والشرق الأوسط، وبقية أرجاء العالم. ويمكن للشركات أو المهنيين الأفراد الاستفادة من الفرص الجديدة التي تنطوي عليها هذه التغييرات، لكنهم بحاجة إلى اختيار المسار المناسب لهم. ويجب عليهم إلقاء نظرة شاملة على المسائل التي تواجه الشركات، والتركيز على تلك العناصر الأكثر صلة بآليات العمل فيها، سواء كانت الثقافة أو التقنيات الجديدة، أو كيفية اغتنام قدرات الجيل الصاعد من الموظفين على أفضل نحو، أو حتى الخدمات التي تقدمها. وليس هناك برنامج أو خطة عمل واحدة لـ ’شركة المستقبل‘، لكن في مواجهة التغيير الذي يطرأ على توقعات العملاء، يجب على الشركات إعادة هيكلة أنظمتها من الداخل، وإيجاد طرق لتقديم قيمة مضافة”.
ويحدد التقرير أربعة محاور مهمة يجب على شركات المحاسبة إعادة تقييمها:
الأفراد
باعتبارها خدمة مهنية، فإن التميّز في المحاسبة أساساً يعتمد على نوعية وسمات الأشخاص الذين يقدمون هذه الخدمات. ولا شك في أن كيفية استثمار الشركات وتدريب موظفيها لفهم التقنيات واستخدامها سيكون عاملاً مؤثراً للغاية في تحقيق النجاح. وستكون عمليات التدقيق المستقبلية المرتكزة على التقنية ذات جودة أعلى، ولكن هذا ليس سوى جزء من المعادلة. ستكون هناك دائماً حاجة لأصحاب المهارات العالية من أجل تفسير البيانات الضخمة، وإعداد ورفع التقارير، والتفاعل مع الأفراد الآخرين في مجالات اتخاذ القرارات الرئيسية، وتوفير عامل الثقة فيما يتعلق بالتقنيات الجديدة التي تولّد هذه البيانات. وستحتاج المهنة إلى أفراد لديهم مهارات محاسبية، ولكن ممن يتمتعون أيضاً بدراية ومعرفة بتكنولوجيا المعلومات.
ووفقاً للتقرير، فعلى الرغم من أن المسار المهني التقليدي الذي يتم توجيهه نحو السعي الهرمي للحصول على وضعية الشريك، يفيد عدد كبير من الموظفين اليوم إلى رغبتهم في وجود فرص متاحة عبر مجموعة من التخصصات، والتحرّك “أفقياً” بدلاً من اعتلاء المناصب. ولم يعد الموظفون كما كانوا سابقاً يكدحون للوصول إلى مستوى الشريك، إذ بات ذلك أمراً غير مرغوب فيه نظراً للضغط العالي وساعات العمل الطويلة. وهناك قلق عام يتمثّل في الحاجة إلى سياق إيجابي أكثر من الشركات والمهنة ككل، من أجل اجتذاب النوعية المناسبة من الأفراد إلى مهنة المحاسبة.
الهيكل التنظيمي
يقول معهد المحاسبين القانونيين ICAEW إن الشركات يمكنها أن تتكيف مع المستقبل بمرونة عالية إذا بدأت بالعمل في مراكز متعددة التخصصات، وتبنّي مقاربات مختلفة لتفعيل التعاون بين فرق العمل. ويشير التقرير إلى أنه يجب على الشركات إيجاد طرق جديدة لحشد المواهب بسرعة عبر أقسام الإدارة، مع مهارات رقمية ومهنية قوية. حتى أن نظام الشريك الحالي قد لا يكون مناسباً للشركة المستقبلية، لا سيما وأن تطور التكنولوجيا وتغيير أنماط القوى العاملة سيقلل من أهمية الشركاء المتخصصين، وسيعزز من جوانب إضافة القيمة من قبل عموم الموظفين من ذوي الخبرة، والمناصب المهنية الجديدة والمتنوعة.
الخدمات
بالإضافة إلى التغييرات الداخلية التي تحدث في الشركة، يتغير العملاء أيضاً من حيث كيفية اختيارهم وشرائهم للخدمات، وكيف يتصوّرون تجربتهم لها، وكذلك مشاكل الأعمال التي يحتاجون للمساعدة على حلها. وقد لا تنسجم احتياجاتهم بشكل جيد مع مجالات مهنة المحاسبة، وسوف يحتاجون إلى أكثر من مجرد عمليات حسابية في المستقبل. وعلى سبيل المثال، قد يُطلب منهم تدقيق النتائج غير المالية للجمعيات الخيرية أو إعداد التقارير غير المالية للشركات الكبيرة. ويشير التقرير إلى أنه بما أن معظم متطلبات الامتثال الأساسية والأعمال المتعلقة بالسجلات المالية سوف تتم بواسطة أجهزة الكمبيوتر، سيحتاج المحاسبون إلى تطوير خدمات إضافية أخرى ذات قيمة مضافة، حتى يتمكنوا من تقديم خدمة مختلفة وتحقيق النجاح والازدهار في هذا العالم.
الثقافة
لا يمكن أن يحدث التطور والابتكار السريع والموثوق بدون وجود ثقافة مناسبة للشركة. وستستمر الشركات في مواجهة الاحتياجات الاجتماعية المتغيرة والتوقعات المختلفة للأجيال التالية. وبالنسبة إلى كثير من المشاركين في الدراسة، يلوح التغيير دائماً في الأفق. ويرون في معظم الشركات أن الثقافة أصبحت بالفعل بسيطة وتعاونية أكثر، وخالية من أي مستويات هرمية. ووفقاً للتقرير، وفي ظل توسع قوة العمل لاستيعاب ثلاثة أجيال، لا بد للشركات أن تتبنّى سياسة الانفتاح على نطاق أكبر للاندماج والتفاعل والمشاركة في المحادثات الاستباقية عبر مختلف مستويات الشركة.
وسلّط التقرير الضوء أيضاً على أن التوقعات المتنامية للعملاء تتصاعد بسبب التطورات التكنولوجية السريعة، حيث يتوقع العملاء الآن استجابة أسرع، وثقافة الاتصال والتواصل على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع. وفي الوقت نفسه، يسهم ذلك في مطالبات الموظفين لنماذج مرنة وجديدة للعمل مثل العمل المرن أو الجزئي.
وأضاف مايكل آرمسترونغ: “يبقى النجاح في المتناول ما دامت الشركات قادرة على إثبات نفسها في المستقبل. وينشأ ذلك من خلق ثقافة تعاونية ومتنوعة، والإنصات لتطلعات الأجيال الشابة، والعمل بشكل استباقي للتغيير، والاستثمار في التكنولوجيا والتفكير الإبداعي، وبالطبع تحفيز واعتماد مفهوم العمل المرن”.