مجلة كيو بزنس Q Business Magazine:
النمـو العـالـمي يفـقـد الزخـــم
في أحدث إصدارة لتقرير آفاق الاقتصاد العالمي، خفض صندوق النقد الدولي توقعات النمو العالمي على المدى القريب إلى 3.7% من 3.9% لكل من عامي 2018 و2019. ورغم أن التوقعات الجديدة لا تزال تشير إلى أداء قوي، خاصة بالمقارنة مع العقد الماضي، إلا أنها أقل تفاؤلاً. ويبدو أن النمو العالمي قد بلغ ذروته مع استمرار ارتفاع وبروز مخاطر الهبوط. بالإضافة إلى ذلك، هناك احتمالات أقل لمفاجآت صعودية، كما أصبح التوسع الاقتصادي أقل تزامناً واتساقاً بين الدول. وقد ساهمت أربعة عوامل رئيسية في الانخفاض الأخير في توقعات النشاط العالمي. (حسب QNB).
أولاً، تشير البيانات الاقتصادية الأخيرة وأبحاث الأعمال التجارية الرئيسية إلى أن الاقتصاد العالمي قد بدأ يفقد الزخم فعلياً. كان آخر مسح لمؤشر مديري المشتريات العالمي، الذي صدر في بداية أكتوبر، هو الأضعف في 24 شهراً. وبالرغم من أن قراءة المؤشر البالغة 52,8 نقطة لا تزال في منطقة الارتفاع (فوق 50)، إلا أنها أدنى من متوسط 53.8 لعام 2017. وقد جاء النشاط الاقتصادي مخيباً للآمال بشكل خاص في الاقتصادات المتقدمة الرئيسية، مثل منطقة اليورو والمملكة المتحدة، حيث تم تخفيض توقعات النمو إلى 2.0% من 2.4% وإلى 1.4% من 1.6% على التوالي.
ويبدو أن ضعف النمو في أوروبا قد نتج عن عوامل دورية مؤقتة وأخرى أكثر ديمومة، وتشمل الأحوال الجوية، وارتفاع مستويات الإجازات المرضية، والإضرابات العمالية، وانخفاض نمو الصادرات والاستثمارات.
ثانياً، للتخفيف من فرط النشاط الاقتصادي ، بدأ بنك الاحتياطي الفيدرالي في تشديد السياسة النقدية. ومن المتوقع أن يقوم بإجراء أربع جولات إضافية من رفع أسعار الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس في كل منها حتى نهاية عام 2019، وهو ما من شأنه تقييد النمو في الولايات المتحدة من الارتفاع القوي البالغ 2.9% في 2018 إلى حوالي 2.5% في 2019، أي أكثر قرباً من معدل النمو الممكن والذي يقدر بحوالي 2.0%. ومن المتوقع أن ينخفض النمو أكثر في منطقة اليورو في 2019 حيث سيوقف البنك المركزي الأوربي أخيراً برنامج التيسير الكمي تدريجياً بنهاية العام، وينظر في إمكانية رفع أسعار الفائدة بنهاية 2019.
وعلى نحو هام، من المتوقع أن يؤدي رفع أسعار الفائدة في الاقتصادات المتقدمة الرئيسية إلى وضع مزيد من الضغوط على الأسواق الناشئة مع زيادة متطلبات التمويل الخارجي. ويتسبب خروج رؤوس الأموال ومخاطر الانخفاض غير المنتظم لقيمة العملات في إجبار العديد من البنوك المركزية إلى تشديد سياستها النقدية، مما يقيد النمو. وفي الواقع، تمت مراجعة وتخفيض توقعات النمو في الأسواق الناشئة إلى 4.7% لهذا العام والعام القادم وذلك من 4.9% لعام 2018 و5.1% لعام 2019.
ثالثاً، يساهم ارتفاع أسعار النفط في خفض الدخل المتاح للإنفاق، وهو ما يُضعف الاستهلاك ويخفض معدلات النمو، لا سيما في البلدان المستوردة للنفط. ونظراً لقيام عدة بلدان بإلغاء إعانات الوقود خلال الفترة الماضية التي اتسمت بانخفاض أسعار النفط بين عامي 2015 و2016، فإن المستهلكين أكثر عرضه للتأثر بارتفاع أسعار النفط هذه المرة. وقد بلغ متوسط سعر خام برنت 55 دولار أمريكي للبرميل في عام 2017، وبلغ متوسط سعره 73 دولار أمريكي للبرميل حتى الآن في العام الحالي.
رابعاً، مستويات عدم اليقين السياسي والتوترات التجارية مرتفعة وآخذة في التصاعد. فقد شهد مؤشر عدم اليقين بشأن السياسة الاقتصادية العالمية، الذي يقيس عدم اليقين استناداً إلى حجم التغطية الصحيفة في 20 اقتصاداً من الاقتصادات الرئيسية، ارتفاعاً بنسبة 76.7% في السنة حتى تاريخه، ويقترب من بلوغ أعلى مستوى له على الإطلاق.
ويؤثر تصاعد النزاع التجاري بين الولايات المتحدة والصين، أكبر اقتصادين في العالم، سلباً على ثقة المستهلكين والأعمال التجارية. فقد أقدمت الولايات المتحدة بالفعل على فرض تعريفات جمركية على ما قيمته 250 مليار دولار أمريكي من الواردات الصينية، وردت الصين بفرض تعريفات جمركية على صادرات أمريكية بقيمة 110 مليار دولار أمريكي. ونظراً لتهديد الولايات المتحدة بفرض تعريفات جمركية إضافية بقيمة 260 مليار دولار على الواردات الصينية في مطلع العام المقبل وتعثر المحادثات المتوقفة بين البلدين في الوقت الراهن، يُتوقع أن يشهد هذا النزاع مزيداً من التصعيد، وذلك من شأنه أن يضع ضغوطاً إضافية على السلطات الصينية وهي تكافح لتحقيق أهدافها المتمثلة في تسريع معدلات النمو وتقليص المديونية المالية. وفي حين أبقى صندوق النقد الدولي على توقعاته بشأن النمو في الصين في عام 2018 دون تغيير عند 6.6%، إلا أنه خفض توقعاته للعام القادم من 6.4% إلى 6.2%.
تميل توقعات النمو العالمي إلى الجانب السلبي. فحيث تعتبر الصين أكبر مساهم في النمو العالمي، فإن من المرجح لأي هبوط في الاقتصاد الصيني أن يكون له تأثير متلاحق على عدد من الاقتصادات الأخرى، وخاصةً على كبار المصدرين الآسيويين للسلع الأساسية ومصدري المنتجات الصناعية ذات القدرة التنافسية العالية.
كما يحتمل أن يؤثر خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي بطريقة غير منظمة وبدون اتفاق في مارس القادم أيضاً على آفاق النمو في الاقتصادات المتقدمة في العام المقبل.
وفي الجانب الإيجابي، يمضي الاقتصاد الأمريكي بسرعة فائقة، ويبدو أن احتمال حدوث مفاجآت سلبية أمر مستبعد. وعلى الرغم من المشكلات الفردية التي يمكن أن تحدث في الاقتصادات الأكثر ضعفاً، إلا أن النمو في الاقتصادات الناشئة عموماً سيكون سليماً، ومن غير المرجح أن يتغير الكثير ما لم تحدث صدمات شديدة غير متوقعة. باختصار، لا يزال النمو العالمي قوياً، ولكن يبدو أن مستوى الذروة قد أصبح وراءنا وأن المخاطر تتزايد أكثر.