مجلة كيو بزنس Q Business Magazine:
مع التقدم الذي تحرزه الاقتصادات الناشئة الكبيرة واستمرارها في النمو بشكل أسرع من الاقتصادات المتقدمة الكبرى، تتطور ديناميكيات مجموعة العشرين على نحو يجعل من المجموعة ترتيباً متزايد الأهمية للحوكمة الاقتصادية العالمية. ويعدّ الانفراج الأخير في التجارة الثنائية بين الولايات المتحدة والصين، والذي تحقق الأسبوع الماضي خلال قمة مجموعة العشرين في بوينس آيرس، مجرد آخر تعبير عن الديناميكيات الجديدة للمجموعة وعن أهميتها كمنتدى اقتصادي. لقد قطعت مجموعة العشرين شوطاً طويلاً بالفعل منذ نشأتها في أواخر التسعينيات، ومن المتوقع أن تصبح أكثر محورية مع حدوث التقارب الاقتصادي العالمي. يركز تحليلنا على العوامل الاقتصادية الكامنة وراء التأثير المتزايد لمجموعة العشرين.
تعتبر مجموعة العشرين منتدىً دولياً للحكومات ومحافظي البنوك المركزية لبعض أكبر الاقتصادات في العالم، والتي تعتبر ذات أهمية نظامية للنظام المالي الدولي. وتشمل العضوية 19 دولة وكتلة واحدة، هي الاتحاد الأوروبي، ممثلة في المفوضية الأوروبية والبنك المركزي الأوروبي. وتتشكل الدول الأعضاء من مجموعة الدول السبعة التقليدية (كندا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا واليابان والمملكة المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية) ودول بريكس (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا) وبلدان ميست (MIST) (المكسيك وإندونيسيا وكوريا الجنوبية وتركيا)، والأرجنتين، وأستراليا وكذلك المملكة العربية السعودية. وتمثل مجموعة العشرين مجتمعة أكثر من 90% من الاقتصاد العالمي. وبينما كانت هذه النسبة مستقرة منذ الإنشاء الرسمي للمجموعة في عام 1999، فقد تغيرت القوة الاقتصادية لبلدان مختلفة داخل المجموعة بشكل كبير. وفي الواقع، تضاءلت قوة مجموعة السبعة، في حين أن الاقتصادات الناشئة الكبيرة، بقيادة بلدان بريكس وميست، قد ازدادت بشكل كبير.
ومن اللافت للنظر أن مجموعة العشرين كانت قد أنشئت في البداية من قبل الدول الصناعية السبعة من أجل معالجة قضايا الاستقرار المالي الدولي المرتبطة بتأثيرات أزمة ميزان المدفوعات والديون في الأسواق الناشئة في أواخر تسعينيات القرن الماضي. عندما تم إنشاء مجموعة العشرين، كان لا يزال ينظر إلى الاقتصادات الناشئة باعتبارها أهم مصادر الأزمة المالية الدولية. لكن، تغيرت هذه النظرة بشكل ملحوظ بعد الأزمة المالية الكبرى (2007-2009)، عندما تم اختيار مجموعة العشرين كمنتدى مفضل لتنسيق جهود التعامل مع الأزمة. ثم تغير وضع مجموعة العشرين وبدأت الأنشطة تشمل قمة لرؤساء الدول أو الحكومات. كانت قمة مجموعة العشرين لعام 2009 في لندن بمثابة لحظة فاصلة للتنسيق الاقتصادي العالمي، حيث تعهدت الدول الأعضاء بتوفير 1.1 تريليون دولار لدعم تمويل التجارة والمنظمات المالية الدولية. ومنذ ذلك الحين، تطورت مجموعة العشرين لتصبح المنتدى الرئيسي لمناقشة وتخطيط ومراقبة الاقتصاد العالمي. وعلى نحو هام، بدأ يُنظر إلى الاقتصادات الناشئة الممثلة في عضوية مجموعة العشرين على أنهم شركاء متساوون أو جزء من حل الأزمة التي نشأت في الاقتصادات المتقدمة بدلاً من كونها مصادر للمشاكل المالية.
وكان تغير وضع اقتصادات الأسواق الناشئة داخل مجموعة العشرين ولا يزال في الغالب مرتبطاً بأدائهم الاقتصادي وزيادة تأثيرهم في الأنشطة والتمويل العالمي. وفي حين كانت دول مجموعة السبع تمثل 73% من الناتج المحلي الإجمالي الاسمي بالدولار الأمريكي لمجموعة العشرين عندما تم إنشاء المنتدى، فإن هذا العدد قد تقلص إلى 60% خلال ذروة الأزمة المالية الكبرى ويقارب 50% حالياً. في المقابل، زادت اقتصادات الأسواق الناشئة من حصتها في الناتج المحلي الإجمالي ضمن مجموعة العشرين من 15% إلى 25% في ذروة الأزمة المالية الكبرى إلى 34% حالياً. وكانت الدول الكبيرة في مجموعة بريكس ومجموعة ميست في مقدمة هذا المسار.
وكانت الصين والهند وإندونيسيا وتركيا وكوريا الجنوبية وروسيا أفضل دول مجموعة العشرين نمواً في القرن الحالي. وتحت قيادة هذه الدول، تمكنت دول مجموعة بريكس ودول مجموعة ميست من تحقيق نمو أسرع بواقع 8.6 و2.4 مرة على التوالي من دول مجموعة السبعة من حيث القيمة الاسمية بالدولار الأمريكي. وتمثل مجموعة بريكس حالياً حوالي 27% من اقتصادات مجموعة العشرين، في حين تمثل دول ميست حوالي 5% من تلك الاقتصادات.
وخلال الأعوام الخمسة القادمة، يقدر صندوق النقد الدولي أن دول مجموعة بريكس ودول مجموعة ميست ستستمر في النمو بوتيرة أسرع من اقتصادات مجموعة السبعة. وخلال الفترة من 2019 إلى 2023، يُتوقع أن تنمو دول مجموعة بريكس ودول مجموعة ميست أسرع بواقع 2.2 و1.8 مرة من اقتصادات مجموعة السبعة، حيث ستمثلان 31% و6% على التوالي من الناتج المحلي الإجمالي الاسمي بالدولار الأمريكي لمجموعة العشرين.
وباختصار، من المتوقع أن يستمر التقارب الاقتصادي العالمي، ولذلك يُتوقع أن تزيد أهمية مجموعة العشرين كمنتدى للحوكمة مع تزايد الأهمية النظامية للاقتصادات الناشئة الرئيسية في تحقيق الاستقرار المالي والنمو العالمي.
(تقرير صادر عن QNB)