مجلة كيو بزنس Q Business Magazine:
الأسهم تعيش فصلها الأخير
بعد الهبوط الحادّ الذي مُنيَت به أسواق الأسهم في نهاية عام 2018، ينبغي على المستثمرين اتخاذ موقف حمائي يبحثون فيه عن أقل معدلات التقلبات، حيث تبدو نسبة المخاطر إلى العائدات سيئة في عام 2019. وقد تعود الأسهم اليابانية للنهوض مجدداً إذا ما نجحت الصين في تحفيز اقتصادها، وتوصلت إلى صفقة مع الولايات المتحدة الأمريكية.
“الفكرة التي نود إيصالها للمستثمرين هي البقاء في موقف حمائي، والتوجّه نحو تفضيل عامل معدلات التقلبات الأخفض على أرباح الأسهم عالية المخاطر”
“خلال العقود الثلاثة الماضية، اعتاد المستثمرون الحصول على عائدات مرتفعة على الأسهم؛ ولكن ذلك قد يتغيّر قريباً”
“تجاهل الانخفاض الحاصل في شهر ديسمبر سيكون خطأ فادحاً”
كان العام الماضي زاخراً بالأحداث المحيّرة، فانطلق من ذروة الأداء الإيجابي لينتهي به المطاف في ديسمبر بمأساة عنيفة لم نشهدها منذ عام 1931. ويمكننا إلقاء اللوم على العديد من الأطراف، إلا أن العوامل السلبية الرئيسية تمثلت في الحرب التجارية بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين، والقرار المتشدد نسبياً الذي اتخذته اللجنة الفدرالية للسوق المفتوحة في ديسمبر، والذي اعتبره العديد من اللاعبين في السوق بمثابة خطأ سياسي.
وتتمثل الفكرة التي نود إيصالها للمستثمرين في البقاء في موقف حمائي، والتوجّه نحو تفضيل عامل معدلات التقلبات الأخفض على أرباح الأسهم عالية المخاطر. ويمكن أن تشهد الأسهم اليابانية حالة انتعاش مثيرة للاهتمام إذا ما تمكنت الصين من تحفيز اقتصادها ودفعه للنمو، ونجحت في إبرام اتفاق مع الولايات المتحدة الأمريكية. وفيما يلي، نسلط الضوء على القيود طويلة الأجل المفروضة على النمو الاقتصادي، ونحذر من المخاطرة في أسهم الأسواق الناشئة.
تجاهل أحداث سبتمبر قد يكون مكلفاً
في حدث نادر الوقوع، تراجع مؤشر ’ستاندرد آند بورز 500‘ بنسبة 9.2% في ديسمبر. ولو كانت الأسواق موزّعة بشكل طبيعي – وهي ليست كذلك – لتجسدت النتائج في تغير بالانحراف المعياري بمقدار 1.8، مع العلم أن احتمالية وقوع خسارة بهذا الحجم أو أكبر لا تتعدى 3.5%. وللعثور على المعلومات المفيدة، لا بد من البحث بدقة في التفاصيل. وسنرتكب خطأ فادحاً إذا ما تجاهلنا الانخفاض الذي وقع في ديسمبر. وفي هذا السياق، صرح جيروم باول، رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي، في مقابلة معه بداية يناير أنه وزملاؤه يأخذون إشارات السوق على محمل الجدّ.
وبالنظر إلى ما يرويه التاريخ عن الانخفاضات الكبيرة المماثلة، نرى أن الانخفاض الأكثر حدّة الذي حصل في تاريخ ’ستاندرد آند بورز 500‘ كان في عام 1931، أعقبه انخفاض إضافي بنسبة 45% على مدى الأشهر الستة التالية. كما شهد ديسمبر من عام 1930 انخفاضاً حاداً آخر، أعقبه أداء سلبي للغاية خلال عام 1931. وبالمثل، وقعت سلسلة من حالات الانخفاض في ديسمبر 1937 قبل أن تنقلب الأوضاع ويتحول عام 1938 إلى عام من المكاسب. وشهد ديسمبر من عام 2002 انخفاضاً بنسبة 6% ليكون مؤشراً على بداية فترة ضعف استمرت ثلاثة أشهر، قبل أن تتجه الأسهم نحو الارتفاع بشكل كبير.
وبالعودة إلى التاريخ، نلاحظ أنه بعد مضي شهر من الانخفاض بنسبة لا تقل عن 8%، تُظهِر العائدات المستقبلية على مدى ثلاثة أشهر مستوى إيجابياً ملحوظاً، مع تحقيق أرباح بنسبة 2.7% في المتوسط. ولكن تترافق التوقعات الإيجابية مع مخاطر كبيرة تتمثل بانحراف معياري نسبته 20.1%. وسيكون أي توجّه تعتمده أسواق الأسهم شديد التقلبات نظراً لارتباطه بعدة عوامل مثل بنك الاحتياطي الفدرالي، والعلاقات الأمريكية الصينية، فضلاً عن الإجراءات التي ستتخذها الصين بشأن تباطئها الاقتصادي. وينبغي أن يكون التجار والمستثمرون أكثر استعداداً ونشاطاً من المعتاد؛ فقد تتراوح ببساطة نسبة التغيرات في الأسهم الأمريكية ارتفاعاً أو انخفاضاً بمقدار 20% على الأقل خلال فترة الأشهر الثلاثة إلى الستة القادمة.
ومازلنا ثابتين على فرضيتنا الرئيسية التي استعرضناها في توقعاتنا للربع الأخير من عام 2018 دونما تغيير، والتي نشير فيها إلى دخول سوق الأسهم وتوسّعها الراهن آخر فصولها، مما يلغي جاذبية المكاسب عالية المخاطر. ونعتقد بضرورة أن تكون الأسهم جزءاً من سلة الأصول المتنوعة المستثمرين. لكن، ومع انخفاض جاذبيتها الاقتصادية بنسبة 30% تقريباً، ينبغي توجيه الاستثمار بشكل رئيسي في أسهم الشركات ضمن القطاعات التي توفر حمائية للمستثمر (السلع الاستهلاكية والرعاية الصحية) والأسهم التي تتعرض للحد الأدنى من التقلبات.
الأسهم اليابانية تشكل أبرز توجهاتنا التكتيكية في الربع الأول
يحدد نموذجنا النسبي الجديد لسوق الأسهم، والذي طرح في مطلع ديسمبر الماضي، دولة اليابان باعتبارها السوق الأكثر جاذبية على أساس نسبي. وتضررت الأسهم اليابانية بشدة في الربع الأخير من العام الماضي، فانخفضت أسعارها بالين الياباني بنسبة 17.5% نظراً لقيام اقتصاد الدولة على الصادرات، مما سيدفعها لتكبد خسائر فادحة جراء الحرب التجارية بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين.
وبالرغم من المرحلة القاسية التي عانتها الأسهم اليابانية، ما تزال تحافظ على زخمها في الصعود خلال الأشهر الاثني عشر الماضية مقارنة بأسواق الأسهم الأخرى. وإلى جانب انخفاض التقييم مقارنة بالحالات التاريخية المماثلة، توفر سوق الأسهم اليابانية معدلات جذابة من حيث نسبة العائدات إلى المخاطر، لاسيما إذا ما نجحت الصين في تحقيق انتعاش اقتصادي وإبرام اتفاق مع الولايات المتحدة الأمريكية بشأن الوصول إلى السوق والمسائل التجارية وحقوق الملكية الفكرية. وتبقى الأسهم الصينية أقل تفضيلاً في نموذجنا كما هي الحال مع نظيراتها في الأسواق الناشئة الأخرى مثل الهند وجنوب أفريقيا.
هذا وكانت أسعار الأسهم الأمريكية مرتفعة جداً وغير جذابة في الفترة التي كتبنا فيها توقعاتنا للربع الرابع؛ ولكن الانخفاض بنسبة 14% في تلك المرحلة أدى إلى تراجع مؤشر التنبؤ بالإفلاس (z-score) على مؤشر ’ستاندرد آند بورز 500‘ من 0.72 في سبتمبر إلى 0.10 في ديسمبر. وعند هذا المستوى، ازدادت جاذبية الأسهم الأمريكية بشكل واضح، وبلغت عائداتها السنوية المتوقعة والمستحقة بعد 10 سنوات 5.8%، فيما قدّرت الخسارة في أسوأ الحالات بنسبة 2%. وعلى مدى العقود الثلاثة الماضية، اعتاد المستثمرون الحصول على عائدات مرتفعة من الأسهم؛ وهو أمر قد يتغير قريباً جرّاء تقييد الاقتصاد العالمي بعدة أبعاد سنقوم بتوضيحها لاحقاً في هذه التوقعات.
تغلبت القيمة على النمو في الربع الرابع – فما هي الحال الآن؟
سلطت توقعاتنا للربع الرابع الضوء على أسهم القيمة باعتبارها عامل الميل المفضل (ما تزال تحافظ في حدها الأدنى على جاذبيتها) قياساً بالنمو، حيث تخفّض أسعار الفائدة الأعلى من التدفقات النقدية المستقبلية بشكل أكبر نسبياً، مما سيحدث ضغطاً سلبياً على الأصول طويلة الأمد. ويشمل ذلك الأسهم بصورة عامة، ويمتد بشكل أخصّ إلى أسهم النمو التي استمدت معظم قيمتها الحالية من التدفقات النقدية التي تتجاوز أفق السنوات الخمس المقبلة. وانخفضت أسهم القيمة الأمريكية بنسبة 10.8% في الربع الرابع، بالمقارنة مع تراجع أسهم النمو بنسبة 16.6%، مما عزز تفوق أسهم القيمة من حيث الأداء بمقدار 5.8 نقطة مئوية.
واستند الميل نحو أسهم القيمة على التوقعات بارتفاع معدلات الفائدة المرتبط بمسار بنك الاحتياطي الفدرالي. ومع ذلك، ونظراً لتباطؤ النمو الصيني، واحتمال توجّه الاحتياطي الفيدرالي نحو تخفيض أسعار فائدته في عام 2019، ربما تنخفض في النهاية أهمية أسهم القيمة. ومازلنا نشير إلى معدلات التقلبات الأدنى باعتبارها أفضل العوامل التي ينبغي السعي وراءها.
القيود المعيقة لمسيرة النمو الاقتصادي
يجب على المستثمرين تقبل حقيقة انخفاض عائدات الأسهم المتوقعة على المدى الطويل في الفترة الراهنة قياساً بما كانت عليه منذ عام 1945. وفيما تبتعد تقديرات قيمة الأسهم عن المبالغة، تعكس هذه التقديرات استمرار اتجاه الأرباح السائد نحو النمو. لكن، ما الذي سيحصل فيما لو كانت عجلة الاقتصاد تدور مستعينة بآخر أنفاس العولمة، والتي كانت بدورها آخر من زود الاقتصاد بالقدرة على التحرك نحو الأمام؟ وعلى المدى الطويل، نلاحظ وجود مجموعة من القيود التي تكبّل حركة الاقتصاد العالمي، والتي تؤثر بدورها على المستثمر العالمي. وفيما يلي قائمة ببعض هذه العوامل:
الإنتاجية المنخفضة
يعتبر الانخفاض المستمر لمعدل نمو الإنتاجية من أكبر الألغاز في النظرية الاقتصادية الحديثة. ويسهم ذلك في عرقلة النمو الاقتصادي نظراً لاعتبار الإنتاجية محركها الرئيسي. ونتفق مع الفرضية القائلة أن الأمر يتعلق بتشبّع الديون، فضلاً عن تركز النشاط الاقتصادي بما يقتصر على الشركات الكبرى، وهو ما يعيق من ازدياد الإنتاجية.
التركيبة السكانية
لطالما شكل النمو السكاني واحداً من أبرز محركات النمو على مدى قرون عديدة. وستتحول التركيبة السكانية في مختلف أرجاء أوروبا والصين واليابان إلى عائق سلبي يقيّد النمو الاسمي. وبالنسبة للدول ذات مستوى الرفاهية المرتفع، تترافق الخصائص السكانية السلبية مع مخاطر أكبر حجماً، حيث يمكن أن تتحول التزامات المعاشات التقاعدية إلى مخاطر نظامية.
ارتفاع تكاليف خدمات الرعاية الصحية
تشهد تكاليف الرعاية الصحية ارتفاعاً ملحوظاً في كافة الدول تقريباً. وارتفع معدل الإنفاق على خدمات الرعاية الصحية في الولايات المتحدة الأمريكية من 5% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 1960، ويُحتمل أن تصل إلى نسبة 20% في عام 2020. وتُعتبر هذه الخدمات بالأساس ضريبة مفروضة على المستهلكين والاقتصاد، وهو ما يحول دون تسخير الموارد لحل مشكلات أخرى. وسترتفع أسعار الأدوية بشكل كبير جراء قانون حماية براءات الاختراع، مما سيؤدي إلى زيادة الأرباح بشكل مفرط.
دورة الديون
كان العالم مثقلاً بالديون بعد الحرب العالمية الثانية، وبدأت بعدها فترة طويلة من تقليص المديونية لم تنتهي إلا في مطلع سبعينيات القرن الماضي. ومنذ ذلك الوقت، انفجر معدل الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي مع بعض الفترات من تقليص المديونية – كان آخرها في السنوات التي أعقبت الأزمة المالية الكبرى في عام 2008؛ ووفقاً لمعهد التمويل الدولي، يبلغ المعدل العالمي الراهن للديون قياساً بالناتج المحلي الإجمالي 325%. ويؤدي الإفراط في الديون إلى تشكيل مخاطر مخفية تعرّض الاقتصاد لمخاطر ضئيلة الاحتمال وشديدة التأثير. وبشكل أساسي، فإن العالم قد اقترض عوائد النمو المستقبلية.
انحسار العولمة
تفاقمت حمّى التنافس بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين بعد انشغال الأولى لمدة أكثر من عشر سنوات بشؤون الشرق الأوسط في أعقاب الهجمات الإرهابية عام 2001. وأصبح التكامل الأعمق مهدداً بالخطر نظراً لعدم تبنّي الصين للقيم الغربية من حيث اقتصاد السوق المعولم. وبدأت النزعة القومية بالازدياد مدفوعة بعدة عوامل من بينها عدم المساواة في الثروة، والآثار السلبية للعولمة. وسيشكل انحسار العولمة أياً كانت درجتها عائقاً أمام النمو العالمي.
عدم المساواة
عاد العالم إلى ثاني عصوره التفاوت الطبقي، حيث ساهم ارتفاع الدخل وتفاوت الثروة بتغيير الديناميكيات السياسية، وتصاعد النزعتين القومية والشعوبية. وقد يتعرض النمو للعرقلة جراء ارتفاع الضرائب المفروضة على رأس المال والدخل. ويترافق التغيير السياسي الكبير بعدم اليقين، ويرجّح أن يؤدي إلى انخفاض الثقة والعائدات المستقبلية للأسهم.
الحذر من الأسواق الناشئة
سلطت آخر توقعاتنا للأسهم الضوء على الأسواق الناشئة باعتبارها مرشحة محتملة لتحقيق التفوق في الأداء، ولا سيما الأسهم الصينية. وفي الربع الرابع، تراجعت أسعار الأسهم الصينية بنسبة 10.7% قياساً بانخفاض 13.4% في مؤشر ’مورغان ستانلي كابيتال إنترناشيونال‘ الدولي للأسهم العالمية. وساهمت أسواق ناشئة أخرى بشكل إيجابي في الأداء، وانخفض مؤشر ’مورغان ستانلي‘ لسندات الأسواق الناشئة بنسبة 7.5% فقط، مما عكس تفوقاً بمقدار 5.9 نقطة مئوية قياساً بأسهم الأسواق المتطورة.
وبالرغم من الإغراءات التي تقدمها الأسواق الناشئة، إلا أن عدد المسارات المؤدية إلى نتائج سلبية أكبر من تلك التي تؤدي إلى نتائج إيجابية. ففي أحسن الأحوال، ستتمكن الصين من إطلاق العنان لعجلتها الاقتصادية مخلّصة الاقتصاد العالمي ودول الأسواق الناشئة من المستنقع الذي تقبع فيه. ومع ذلك، نلاحظ مؤشرات على وجود عطل في عمليات نقل الائتمان في الصين، وبالتالي، أصبحت قدرة الصين على تحفيز الاقتصاد، كما حصل في عدة مرات منذ عام 2007، مقيدة بشكل كبير.
وفي أسوأ الأحوال، يبقى الاقتصاد الأمريكي قوياً، مما يغري الاحتياطي الفدرالي الأمريكي بمواصلة رفع أسعار الفائدة، وتجاهل إشارات السوق القادمة من الخارج. ونشاهد في هذا السيناريو قدراً هائلاً من الضغوطات على اقتصادات الأسواق الناشئة التي يعتمد نموها على تمويل الدولار الأمريكي.
رؤيتنا
مازلنا نتخذ موقفاً حمائياً فيما يخص الأسهم طالما بقيت نسبة المخاطر إلى العائدات سيئة في عام 2019. وعلى المدى القريب، يمكننا أن نشهد موجة صعود إذا ما نجحت الصين في تحفيز اقتصادها، وتمكنت من إبرام صفقة تجارية مع الولايات المتحدة الأمريكية. وينظر نموذجنا الخاص بالأسهم إلى الأسهم اليابانية باعتبارها الأكثر جاذبية على أساس نسبي. وتبدو الأسواق الناشئة هشة، حيث تعتبر البرازيل وحدها النموذج المفضل بين أسواق الأسهم الخاصة، لذلك نوصي المستثمرين بشكل عام إما بتخفيض اعتمادهم على هذه الأسهم أو تجنبها. ويعتبر الخيار المحتمل على مستوى القطاع بمثابة خيارات الاتصال على أشباه الموصلات، والتي من المحتمل أن تنتعش إذا توصلت الصين والولايات المتحدة للاتفاق.