ظلت أسعار نفط خام برنت متقلبة للغاية خلال الفصول الأخيرة، حيث تراوحت بين 86 / 50 دولاراً أمريكياً للبرميل في أواخر العام الماضي، و74 / 59 دولاراً أمريكياً للبرميل حتى الآن في 2019. يهدف هذا المقال إلى مناقشة خلفيات هذه التحركات في الأسعار واستعراض التوقعات للأرباع القادمة.
في عام 2018، بلغ متوسط أسعار خام برنت 72 دولاراً أمريكياً للبرميل، مرتفعاً من 55 دولاراً أمريكياً في عام 2017. وقد تسببت زيادة المعروض لعدة سنوات في زيادة المخزونات التجارية لدى دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية عن متوسطها لخمس سنوات. ولكن أدى انخفاض المعروض بين الربع الثاني من عام 2017 والربع الأول من عام 2018، إلى استنزاف المخزونات العالمية، ما أدى إلى انتعاش الأسعار.
في جانب الطلب، أدى النمو العالمي المتزامن إلى زيادة قوية في الطلب، وخاصة في الولايات المتحدة والصين ودول آسيوية أخرى.
أما في جانب العرض، فقد أدى عنصران إلى تقييد نمو إنتاج النفط الخام على الرغم من استمرار المفاجآت الصعودية في إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة. أولاً، قام كبار مصدري النفط بتخفيضات منسقة في الإنتاج لموازنة الأسواق بموجب ما عرف باسم اتفاقية أوبك+، حيث قام هؤلاء المصدرون عن عمد باستقطاع نحو 1.2 مليون برميل يومياً من السوق. ثانياً، أدت عوامل غير مرتبطة بحركة السوق وصدمات جيوسياسية إلى انخفاض الإمدادات من فنزويلا وإيران، وهو ما أزال مليوني برميل يومياً من الإمدادات العالمية. وأدى ذلك إلى عجز في المعروض مع انخفاض المخزونات التجارية لدول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. وقادت عملية إعادة التوازن هذه إلى انتعاش أسعار النفط التي بلغت ذروتها عند 86 دولاراً أمريكياً للبرميل في أكتوبر 2018.
في الربع الرابع من 2018، تغيرت الخلفية بشكل كبير. ففي جانب الطلب، سادت توقعات متشائمة حيال النمو بسبب المخاوف من تصاعد النزاع التجاري بين الولايات المتحدة والصين وتضييق الظروف المالية من قبل بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي الذي كان متشدداً آنذاك. وفي جانب العرض، رفعت كل من منظمة أوبك وروسيا الإنتاج إلى مستويات قياسية لتخفيف توقعات حدوث اضطرابات كبيرة في الإمدادات بسبب إعادة فرض العقوبات الأمريكية على إيران. ولكن غمر السوق فائض من النفط الخام وهبط سعر خام برنت إلى مستوى متدنٍ بلغ 50 دولاراً أمريكياً للبرميل في أواخر ديسمبر 2018 بسبب مفاجأة الولايات المتحدة للسوق بمنح استثناءات مدتها 180 يوماً للعديد من مستوردي النفط الخام الإيراني.
وقد تعافت أسعار خام برنت جزئياً من المستويات المتدنية التي سُجلت في نهاية عام 2018 لتبلغ متوسط 66 دولار أمريكي للبرميل في النصف الأول من عام 2019 وذلك على خلفية اتفاق أوبك+ في ديسمبر 2018 لخفض الإنتاج بمقدار 1.2 مليون برميل في اليوم. وكانت الأسعار مدعومةً أيضاً بالالتزام الصارم من قبل المملكة العربية السعودية بخفض الإنتاج وفرض عقوبات أمريكية أشد من المتوقع على كل من فنزويلا وإيران. وتعزز ذلك بفعل تحسن معنويات السوق، حيث تيسرت الأوضاع المالية العالمية بفعل اتخاذ بنك الاحتياطي الفيدرالي موقفاً أكثر تساهلاً حيال أسعار الفائدة.
وفي نظرنا، من المحتمل أن ترتفع أسعار النفط قليلاً خلال الأرباع القادمة، وذلك على الرغم من التوقعات باستمرار التقلب الحاد بفعل التوترات الجيوسياسية والتغيرات المفاجئة في معنويات السوق.
وفيما يخص الطلب، من المتوقع أن يتباطأ النمو العالمي على الرغم من الانفراج الأخير في الأوضاع المالية العالمية بقيادة بنك الاحتياطي الفيدرالي والاستجابات المبكرة الإيجابية للتحفيز المالي والنقدي في الصين.
أما في جانب العرض، سيهيمن على الديناميات ارتفاع إنتاج النفط الصخري الأمريكي والعقوبات على بعض المصدرين (فنزويلا وإيران) وترتيبات أوبك+. في الولايات المتحدة، من المرجح أن تخفّ اختناقات البنية التحتية في منطقة إنتاج النفط الصخري الرئيسية في حوض بيرميان بغرب تكساس، وهو ما سيعود بالفائدة على المنتجين. وبالتالي، من المتوقع أن يزداد معروض الخام الأمريكي بواقع 1.7 مليون برميل في اليوم في عام 2019 و1.3 مليون برميل في اليوم في عام 2020. ونظراً لأن العقوبات وغيرها من الاضطرابات قد تؤثر على ما يقدر بحوالي 1.1 مليون برميل في اليوم من صادرات النفط الفنزويلية والإيرانية، فإن أية صدمات سلبية إضافية في الإمداد ستؤدي إلى تضييق السوق أكثر، وهو ما سيخفض المخزونات إلى ما دون متوسط خمس سنوات. وتشير البيانات الرسمية الصادرة عن اجتماع أوبك+ الأخير إلى أنه قد يتم تمديد تخفيضات الإنتاج إلى ما بعد مارس 2020. وبأخذ ذلك في الاعتبار، فإننا نتوقع أن ترتفع أسعار النفط بعض الشيء.
إذا ظلت
العوامل الأخرى على حالها، أي، مع عدم حدوث تغييرات كبيرة في الخلفية الجيوسياسية
وكذلك على معنويات السوق وتوقعات النمو، ينبغي أن يشهد السوق الفعلي للنفط ضيقاً
اضافياً وأن يدخل في عجز خلال الأرباع القليلة القادمة. من المتوقع أن يؤدي هذا
إلى انخفاض المخزونات ورفع أسعار برنت بشكل طفيف إلى متوسط 68 دولاراً أمريكياً
للبرميل في العام 2019. وفي عام 2020، نتوقع أن يبدأ العام بنقص في المعروض من
النفط، ولكن يرجح أن يشهد السوق انفراجا تدريجياً مع بدء الإنتاج الإضافي من النفط
الصخري الأمريكي، ما يضع بعض الضغوط الهبوطية على الأسعار في نهاية العام فقط.
لذلك، نتوقع أن تصل أسعار برنت في المتوسط إلى 72 دولاراً أمريكياً للبرميل في العام 2020.