مجلة كيو بزنس Q Business Magazine:
لم يتوقع أكثر المتشائمين انهيار الأسواق العالمية وتوقف حركة الملاحة والتنقل بين الدول وتراجع مستوى التبادل التجاري أن تصل إلى ما وصلت إليه فقط خلال شهرين منذ بداية العام الجديد وذلك بسبب فيروس “كورونا”، حيث توقّع خبراء وكالة “بلومبرج” أن يكون العام الحالي هو الأسوأ منذ الركود العالمي الذي بلغ ذروته عام 2009، وأن يفقد الناتج العالمي حوالي 2.7 تريليون دولار بنهاية 2020، حتى ولو استعاد الاقتصاد العالمي عافيته بحلول الربع الأخير.
وكونه من الصعوبة بمكان حصر الأضرار الاقتصادية العالمية جرّاء انتشار فيروس “كورونا”، ولكن يمكن التأكيد على أنها ربما تكون خسائر غير مسبوقة، ونطاقها يشمل بقاع المعمورة كافة، فالفيروس قد انتشر في حوالي 75 دولة حتى الآن، ولم يفلت منها إلا الدول النامية الحارّة (حالياً)، والتي لا يُمكن الجزم بخلوها من الفيروس، لضعف الإمكانات من حيث الكشف والتشخيص والمتابعة، علاوةً على قلة الاهتمام الإعلامي الدولي بأحوالها..
في شهر واحد فقط (فبراير/ شباط) وصل “انخفاض صادرات الصناعات التحويلية” في جميع أنحاء العالم 50 مليار دولار، وقد نشر مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد) مذكرة تقنية تناولت تأثير فيروس “كورونا” في التجارة بين الدول، وتقيِّم الآثار الاقتصادية المرتبطة بالتفشي، بمختلف درجاته، الذي شهدته الكثير من دول العالم، ومن بينها الصين. وتشير البيانات الاقتصادية الأولية التي حللها مؤتمر (الأونكتاد) في جنيف إلى أن تدابير احتواء الفيروس في الصين (حيث ظهر تفشي المرض في كانون الأول/ديسمبر) قد تسببت بالفعل في “انخفاض كبير في الإنتاج”..
وأورد التقرير أرقاماً توضح “انخفاضاً كبيراً” خلال الشهر الماضي في مؤشر المشتريات التصنيعية في الصين بحوالي 20 درجة، وهو ما يمثل أدنى حد انخفاض تم تسجيله منذ عام 2004. ويقول التقرير إن هذا الانخفاض يعني انخفاضاً في الإنتاج بنسبة 2% سنوياً، وهو قد جاء كنتيجة مباشرة لانتشار فيروس “كورونا.” وقالت رئيسة قسم التجارة الدولية والسلع التابعة للأونكتاد، “باميلا كوك-هاميلتون”، إن من بين الاقتصادات الأكثر تضرراً مناطق مثل الاتحاد الأوروبي (15.5 مليار دولار) والولايات المتحدة (5.8 مليار دولار) واليابان (5.2 مليار دولار).
“جهود الاحتواء” في الصين جاءت بتضحيات اقتصادية
إن التأثير الاقتصادي لهذا الفيروس يعتمد في آخر الأمر على التدابير التي تطبقها البلدان لاحتوائه، فالصين قامت بعمل متميز في هذا الشأن رغم تضحيتها قليلاً بالاقتصاد. لذا ستظل الآثار العالمية المتوقعة عرضة للتغيير، فحسبما أورد التقرير التقني، إنها “ستتوقف على جهود احتواء الفيروس” المعروف باسم(COVID-19) أو على “أي تغييرات تستجد على صعيد مصادر الإمداد” في التجارة الدولية.
من ناحية أخرى، أصدر صندوق النقد الدولي ومجموعة البنك الدولي رسالة تضامن مشتركة فيما يتعلق بانتشار فيروس “كورونا”، معلنين عن استعدادهما “لمساعدة الدول الأعضاء في مواجهة المأساة الإنسانية والتحدي الاقتصادي” للفيروس .وقال البيان المشترك “إننا نشارك بنشاط مع المؤسسات الدولية والسلطات الوطنية، مع إيلاء اهتمام خاص بالبلدان الفقيرة حيث تكون النظم الصحية هي الأضعف والناس أكثر عرضة ” للخطر.
وقدرت الهيئة الدولية للنقل الجوي (إياتا) الخسارة في عائدات قطاع الطيران المدني، بين 63 و113 مليار دولار، في حال انتشر الفيروس بشكل أوسع. وقالت إن أسوأ السيناريوهات هو خسارة 19% من العائدات العالمية في القطاع. وأصدرت الكثير من شركات الطيران العالمية الكبرى تحذيرات بشأن تراجع الأرباح المتوقعة، في حين ألغت شركات الطيران منخفض التكلفة في كل أرجاء المعمورة الآلاف من رحلاتها.
لذا على الجميع أن يكون على مستوى الحدث، وأن يتم تحمل المسؤولية ورفعها إلى أعلى المستويات، ويفترض الشفافية المطلقة والتعاون الي أقصى الدرجات بين دول العالم المختلفة وكبريات المؤسسات الاقتصادية لتقليل الآثار المتوقعة على الدول بصفة عامة، وخاصة على الطبقات الفقيرة والمتوسطة والتي غالباً ما تتحمّل أكبر الأعباء في أحوال التقلبات والأزمات الاقتصادية الكبرى، وألا تكتفي المنظمات الدولية بتوفير مساعدات للحكومات لمواجهة انتشار الفيروس وتوفير الإمدادات الطبية.