مجلة كيو بزنس Q Business Magazine:
المنتدى الاقتصادي العالمي يدرس كيفية التعافي من أزمة كوفيد-19، وبناء أنظمة اقتصادية منتجة ومستدامة وشاملة
قلّة من الاقتصادات جاهزة لتحقيق ازدهار طويل الأمد من خلال تحسين الخدمات العامة والاستثمارات الخضراء والرقمنة
لا يزال الركود الاقتصادي العميق الذي أحدثته أزمة كوفيد-19 وعواقبه الاقتصادية والاجتماعية العميقة يغيّم على العالم بعد مرور عام تقريباً على بدء الجائحة. وعلى الرغم من عدم ولوج أي دولة سالمة من هذه الأزمة، إلا أن الإصدار الخاص لتقرير التنافسية لهذا العام يجد بأن بعض الميزات، بما في ذلك الاقتصادات الرقمية المتقدمة والمهارات الرقمية وشبكات الأمان الاجتماعي القوية والخبرة السابقة في التعامل مع الأوبئة، قد ساعدت الحكومات على إدارة تأثير الجائحة بشكل أفضل على اقتصاداتها وشعوبها.
الدول ذات الاقتصادات الرقمية المتقدمة، وشبكات الأمان الاجتماعي القوية، وأنظمة الرعاية الصحية القوية تمكنت من إدارة تأثير الجائحة بشكل أفضل
يقيس التقرير البلدان الأكثر جاهزية للتعافي والتحول الاقتصادي المستقبلي
تم إيقاف التصنيفات المعتادة للتقرير بشكل مؤقت بسبب الظروف غير الاعتيادية السائدة، والإجراءات التي اتخذتها الحكومات في أعقاب تفشي الجائحة العالمية والاقتصادي
في الوقت الذي يتعافى فيه الاقتصاد العالمي، فإن الوقت قد حان للدول لتوسع تركيزها من مبدأ التعافي والعودة، إلى النمو. يرسم الإصدار الخاص لتقرير التنافسية العالمية لعام 2020: كيفية أداء الدول على طريق الانتعاش، الذي نشره المنتدى الاقتصادي العالمي اليوم، الطريق لهذا النمو، ويوضّحه.
يحدد الإصدار الخاص من التقرير أيضاً أولويات التعافي والإنعاش، ويقيِّم أهم الخصائص التي ساعدت الدول على إدارة الجائحة، ويوفر تحليلاً عن الدول الأكثر استعداداً لتحول اقتصادي يتضمن أنظمة تعمل على أساس الجمع بين الإنتاجية، والأفراد، والكوكب.
قال كلاوس شواب، المؤسس والرئيس التنفيذي للمنتدى الاقتصادي العالمي: ” لطالما شجع المنتدى الاقتصادي العالمي صناع السياسات على توسيع نطاق تركيزهم بما يتجاوز النمو قصير الأمد إلى الازدهار طويل الأمد. يوضح هذا التقرير الأولويات لتغدو الاقتصادات أكثر إنتاجية واستدامة وشمولية في الفترة التي نخرج فيها من أزمة الجائحة. وبكل بساطة، لا يمكن لمخاطر تحويل أنظمتنا الاقتصادية أن تكون أكبر.”
أخذاً بعين الاعتبار الأحداث والتطورات غير الاعتيادية التي شهدها عام 2020 والجهود العالمية الموحدة المطلوبة لمعالجة الأزمة الصحية وتداعياتها الاجتماعية والاقتصادية، فقد تم وقف تصنيفات مؤشر التنافسية العالمية المعتادة لهذا العام. إلا أنها ستعود في عام 2021، لتقدم التصنيفات المعيارية المعتادة، وليساعد التقرير في تحديث الأطر التوجيهية للنمو الاقتصادي المستقبلي.
ما هي جوانب القدرة التنافسية التي جعلت الاقتصادات مرنة نسبياً خلال أزمة حائجة كوفيد-19؟
على الرغم من عدم ولوج أي دولة سالمة من هذه الأزمة، إلا أن تقرير هذا العام يجد بأن بعض الميزات قد ساعدت الحكومات على إدارة تأثير الجائحة بشكل أفضل على اقتصاداتها وشعوبها:
- كون التباعد الاجتماعي من بين أكثر الطرق فعالية في مواجهة الفيروس، كانت الدول ذات الاقتصادات الرقمية المتقدمة والمهارات الرقمية أكثر نجاحاً في الحفاظ على عمل اقتصاداتها في الوقت الذي عمل فيه مواطنوها من المنازل. وكان أداء كلّ من هولندا ونيوزيلندا وسويسرا وإستونيا والولايات المتحدة جيداً في هذا الإجراء.
- مع غلق أقسام من الاقتصادات بأكملها، حققت الدول ذات شبكات الأمان القوية، مثل الدنمارك وفنلندا والنرويج والنمسا ولوكسمبورغ وسويسرا نجاحاً جيداً في دعم أفراد المجتمع ممن لا يستطيعون العمل. وبالمثل، تمكنت الدول ذات الأنظمة المالية القوية مثل فنلندا والولايات المتحدة والإمارات العربية المتحدة وسنغافورة، بسهولة من تقديم الائتمانات والقروض للشركات الصغيرة والمتوسطة لإنقاذها من الإفلاس.
- حققت الدول التي تمكنت من التخطيط بنجاح وإدماج السياسات الصحية والمالية والاجتماعية نجاحاً نسبياً أكثر في التخفيف من آثار الجائحة، بما في ذلك سنغافورة وسويسرا ولوكسمبورغ والنمسا والإمارات العربية المتحدة.
- تُظهر الأدلة بأن الدول ذات الخبرة السابقة في التعامل مع أوبئة فيروس كورونا (مثل سارس) لديها بروتوكولات وأنظمة تكنولوجية أفضل (مثل كوريا وسنغافورة) وتمكنت من احتواء الوباء بشكل أفضل نسبياً من غيرها.
كيف تغيرت معنويات الأعمال
خلال الأزمة؟
مع تسارع التحول إلى العمل الممكّن رقمياً، شهد قادة الأعمال في الاقتصادات المتقدمة تركيزاً متزايداً في السوق، وتراجعاً ملحوظاً في المنافسة على الخدمات، وانخفاضاً في التعاون بين الشركات، وقلة في عدد العمال المهرة المتوفرين في سوق العمل. ولكن من الناحية الإيجابية، يرى القادة قدرة أكبر على التغيير في الحكومات، وتحسين التعاون داخل الشركات وزيادة توافر رأس المال الاستثماري.
أما في الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية، لاحظ قادة الأعمال زيادة في تكاليف الأعمال لأسباب تتعلق بالجريمة والعنف، وانخفاضاً في استقلالية القضاء، وزيادة في انخفاض المنافسة السوقية، وتنامياً في الهيمنة على السوق، وركوداً في الثقة بالسياسيين. ومن ناحية أخرى، وعلى غرار الاقتصادات المتقدمة، أعرب قادة الأعمال في الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية عن وجهات نظر إيجابية حول استجابة حكوماتهم للتغيير، والتعاون داخل الشركات، وتوافر رأس المال الاستثماري. كما أشاروا إلى زيادة طفيفة في القدرة على جذب المواهب، والتي من المحتمل أن تيسرها سوق العمل الرقمية.
قالت سعدية زهيدي، رئيسة قسم المجتمع والاقتصاد، والمديرة العامة للمنتدى الاقتصادي العالمي: “في هذه الفترة التي يسودها شيء من عدم اليقين العميق، تسببت الأزمة الصحية والانكماش الاقتصادي في إعادة التفكير بشكل أساسي في النمو وعلاقته بالنتائج على الشعوب، وكوكب الأرض.”
وأضافت: “لدى صناع السياسات فرصة رائعة لاغتنام هذه الظروف وتشكيل أنظمة اقتصادية جديدة عالية الإنتاجية في الوقت الذي يعملون فيه على تنمية الرخاء المشترك والاستدامة البيئية.”
ما هي ضرورات التحول الاقتصادي المستقبلي؟
يُناقش التقرير مسارات الإحياء والتحول عبر أربعة مجالات، وهي: البيئة التمكينية، ورأس المال البشري، والأسواق، والنظام الإيكولوجي للابتكار.
- تحويل البيئة التمكينية: يوصي التقرير بأن تعطي الحكومات الأولوية لتحسين تقديم الخدمات العامة، والتخطيط لإدارة الدين العام، وتوسيع نطاق الرقمنة. أما على المدى الطويل، فيوصى التقرير بفرض ضرائب أكثر تصاعدية، ورفع مستوى المرافق، وتشكيل بنية تحتية أكثر مراعاة للبيئة.
- تحويل رأس المال البشري: يدعو التقرير إلى الانتقال التدريجي من مخططات الإجازة القسرية -بسبب الظروف غير الاعتيادية- إلى مجموعة من الاستثمارات الاستباقية في فرص سوق العمل الجديدة، وتوسيع نطاق برامج إعادة التدريب وصقل المهارات وشبكات الأمان للمساعدة في دفع عجلة الانتعاش. أما على المدى الطويل، فيجب على القادة تحديث مناهج التعليم وإصلاح قوانين العمل وتحسين استخدام تقنيات إدارة المواهب الجديدة.
- الأسواق المتحولة: على الرغم من أن الأنظمة المالية باتت أكثر استقراراً منذ الأزمة المالية الأخيرة، إلا أنها بحاجة إلى أن تكون أكثر شمولاً، حيث أن تزايد تركيز السوق وزيادة الحواجز أمام حركة السلع والأشخاص يهدد بإعاقة تحول الأسواق. يوصي التقرير بتقديم حوافز مالية للشركات للانخراط في استثمارات مستدامة وشاملة، مع تحديث أطر المنافسة ومكافحة الاحتكار.
- تحويل النظام الإيكولوجي للابتكار: على الرغم من ازدهار ثقافة ريادة الأعمال في العقد الماضي، إلا أن إنشاء شركات جديدة وتقنيات متطورة ومنتجات وخدمات تستخدم هذه التقنيات قد توقف. وعليه، يوصي التقرير الدول بتوسيع الاستثمارات العامة في البحث والتطوير مع تحفيزها في القطاع الخاص. وعلى المدى الطويل، ينبغي أن تدعم الدول إنشاء “أسواق الغد” وتحفّز الشركات على تبني التنوع لتعزيز الإبداع وملاءمة السوق.
ما هي الدول الأكثر استعداداً للتحول الاقتصادي؟
تعتبر مفاهيم التحول الاقتصادي جديدة نسبياً وعليه، فإن توافر البيانات محدود. تم تحديد بيانات مستخلصة من 37 دولة مقابل الأولويات الإحدى عشرة الموضحة في التقرير، وجاءت النتيجة بأنه على الرغم من أنه لا يوجد أي دولة مستعدة تماماً للتعافي والتحول الاقتصادي، فإن الوضع في بعض الدول أفضل من غيرها. ويُقدّر بأن زيادة بنسبة 10 في المائة في درجات الاستعداد يمكن أن تؤدي إلى زيادة 300 مليار دولار أمريكي في الناتج المحلي الإجمالي لهذه الدول الـ 37 مجتمعة. ومع ذلك، ينبغي النظر في أولويات التحول هذه لتأثيراتها المتعددة على النمو والشمول والاستدامة.
الأفكار الرئيسية:
- استثمارات البنية التحتية الرقمية: يجب أن يكون الانتقال إلى اقتصاد أكثر اخضراراً وشمولاً مدعوماً باستثمارات كبيرة في البنية التحتية، بما في ذلك توسيع الشبكات الرقمية. الدنمارك، وإستونيا، وفنلندا، وهولندا هي الدول الأفضل استعداداً حالياً للقيام بذلك.
- اقتصاد أكثر اخضراراً: يتطلب تخضير الاقتصاد ترقية البنية التحتية للطاقة وشبكات النقل والتزام كل من القطاعين العام والخاص بتوسيع الاتفاقيات المتعددة الأطراف بشأن حماية البيئة واحترامها. وتعدّ الدنمارك وإستونيا وفنلندا وهولندا الدول الأكثر استعداداً لدفع التحول الاقتصادي من خلال البنية التحتية. وتشمل الدول الأقل استعداداً روسيا وإندونيسيا وتركيا وجنوب إفريقيا.
- الاستثمارات طويلة الأمد: يمكن لزيادة الحوافز بهدف توجيه الموارد المالية نحو الاستثمارات طويلة الأجل في الاقتصاد الحقيقي أن تعزز الاستقرار وتوسع الشمول. تعتبر فنلندا والسويد ونيوزيلندا والنمسا أفضل استعداداً نسبياً من الاقتصادات المتقدمة الأخرى، في حين أن الولايات المتحدة، والتي تعد حالياً أكبر مركز مالي في العالم، هي من بين أقل البلدان استعداداً للتحول وفقاً لهذا المقياس.
- فرض ضرائب أكثر تصاعدية: يخلص التقرير إلى أن التحول إلى أنظمة ضريبية أكثر تصاعدية يعتبر محركاً رئيسياً للتحول الاقتصادي. وفقاً لهذا المقياس، حصلت كوريا واليابان وأستراليا وجنوب إفريقيا على أعلى الدرجات، وذلك بفضل الهياكل الضريبية التصاعدية والمتوازنة نسبياً.
- الخدمات العامة الموسعة: لا بد من دمج التعليم الجاهز للمستقبل، وقوانين العمل، ودعم الدخل بشكل أفضل بهدف توسيع أرضية الحماية الاجتماعية. تعد ألمانيا والدنمارك وسويسرا والمملكة المتحدة أفضل استعداداً نسبياً من غيرها للجمع بين حماية العمالة الكافية ونماذج شبكات الأمان الجديدة. أما جنوب إفريقيا والهند واليونان وتركيا فهي الأقل استعداداً.
- حوافز لأسواق الغد: يمكن لتحفيز وتوسيع نطاق الاستثمارات طويلة الأمد في البحث والابتكار والاختراع أن تساهم في إنشاء “أسواق غد جديدة” ودفع عجلة النمو. تظهر كل من فنلندا واليابان والولايات المتحدة وكوريا والسويد أفضل استعداد لإنشاء أسواق الغد، في حين يبدوا أن اليونان والمكسيك وتركيا وجمهورية سلوفاكيا هي الأقل استعداداً.