ارتفع مؤشر مدراء مشتريات قطاع التصنيع العالمي إلى أعلى مستوى له في عشر سنوات، حيث بلغ 55.0 نقطة في مارس 2021، مما يشير إلى أن الإنتاج الصناعي العالمي استمر في التعافي . وهذا ليس بالأمر المفاجئ، نظراً لأن الولايات المتحدة والصين تشهدان تعافياً اقتصادياً قوياً، وهو ما يساعد في دفع عجلة الاقتصاد العالمي. بالإضافة إلى ذلك، انهمك المستهلكون المحتجزون في المنازل في طلب السلع والخدمات عبر الإنترنت للعمل والترفيه، مما عزز الطلب على مختلف السلع المصنعة.
إن مؤشر مدراء مشتريات قطاع التصنيع لا يعكس الصورة الكاملة، لأنه يستثني قطاع الخدمات، وهو قطاع مهم بشكل خاص في كل من الولايات المتحدة ومنطقة اليورو. لذلك قمنا بتوسيع تحليلنا ليشمل مؤشر مدراء المشتريات المركب (الذي يشمل قطاعي التصنيع والخدمات)، مما يسمح لنا بمقارنة الوضع في الاقتصادات الرئيسية الثلاثة المحركة لنمو الاقتصاد العالمي، وهي: الولايات المتحدة والصين ومنطقة اليورو.
أولاً، بلغ مؤشر مدراء المشتريات المركب في الولايات المتحدة 59.7 نقطة في مارس 2021، مما يدل على أن التعافي لا يزال يتعزز ، وذلك بفضل المزيج القوي من التحفيز الهائل عبر كل من السياسة النقدية والمالية. وقد تصرف بنك الاحتياطي الفيدرالي بسرعة عندما ظهر الوباء في العام الماضي، حيث سارع إلى تخفيض أسعار الفائدة إلى الصفر وأغرق الأسواق المالية بالسيولة عبر شراء الأصول. كما عدل بنك الاحتياطي الفيدرالي سياسته لاستهداف متوسط التضخم، مما منحه المرونة للنظر فيما وراء الفترة الوجيزة من ارتفاع التضخم، بعد فترة من التضخم المنخفض. والآن ستسمح هذه المرونة لبنك الاحتياطي الفيدرالي بتجنب تشديد السياسة النقدية بشكل مبكر والمخاطرة بتقويض التعافي الاقتصادي في الولايات المتحدة. كما أجازت الولايات المتحدة جولات متعددة من الحوافز المالية، والتي استهدفت المستهلكين والعاملين ذوي الدخل المنخفض. علاوة على ذلك، يبدو أن الزيادة الحالية في الاستثمار في البنية التحتية من المرجح أن تؤدي إلى المزيد من الحوافز، والتي من شأنها أن تساعد في توسيع وتعزيز التعافي. أما العامل الثالث الذي يدعم الاقتصاد الأمريكي فهو تكثيف جهود التطعيم، بعد أن تلقى بالفعل أكثر من 42% من الأشخاص البالغين الجرعة الأولى من اللقاح.
ثانياً، إن الانتعاش في الصين في طريقه للنضج مما يسمح بالسحب التدريجي لسياسات التحفيز. وكان الانتعاش الأولي للصين مدفوعاً بالعودة إلى الاستثمار العام في البنية التحتية وكان ذلك مدعوماً بجهود مكافحة الوباء من خلال حملات الاختبار الجماعي وإجراءات التباعد الاجتماعي الفعالة. مع سحب التحفيز، تبدأ وتيرة الانتعاش في التباطؤ كما يتضح من مؤشر مديري المشتريات المركب للصين، والذي تراجع إلى متوسط 52.3 في الربع الأول من عام 2021، منخفضاً من أعلى مستوى كان قد سجله بواقع 56.3 في الربع الرابع من عام 2020 (أنظر الرسم البياني 2). ويتم دعم النمو المستمر للصين من خلال تعافي قطاع السفر المحلي واستمرار الطلب الخارجي القوي على صادرات المنتجات الاستهلاكية إلى بقية العالم.
ثالثاً، ننتقل إلى منطقة اليورو التي لم يكن التعافي فيها مستداماً حيث انخفض مؤشر مديري المشتريات المركب مرة أخرى إلى ما دون مستوى 50 بين أكتوبر 2020 وفبراير 2021. وكان الشكل الرئيسي للتحفيز الذي قدمته حكومات منطقة اليورو من خلال مخططات الإجازة، حيث يظل العمال يتلقون رواتبهم، حتى لو كانوا غير قادرين على العمل بسبب الإغلاق وإعانات البطالة. كما اتخذ الاتحاد الأوروبي خطوة كبيرة إلى الأمام بإدخال صندوق الجيل القادم بالاتحاد الأوروبي (NGEU)، الذي تبلغ قيمته حوالي 880 مليار دولار أمريكي، والذي يتيح إصدار سندات مشتركة عبر الاتحاد الأوروبي للمرة الأولى. لكن بيروقراطية الاتحاد الأوروبي تعني أن صندوق الجيل القادم لا يزال على بعد أشهر من صرف أمواله الأولى، بل وحتى بحلول نهاية العام المقبل، لن يتم صرف سوى ربع أموال الصندوق. وبالمثل، قدم البنك المركزي الأوروبي تحفيزات عبر السياسة النقدية بدرجة أقل بكثير مما قدمه بنك الاحتياطي الفيدرالي للولايات المتحدة. ويفسر الضعف النسبي للتحفيز في منطقة اليورو سبب انخفاض مؤشر مديري المشتريات المركب في منطقة اليورو عن نظيريه في الولايات المتحدة والصين منذ منتصف عام 2020. في الواقع، كان ارتفاع المؤشر إلى 52.5 نقطة في مارس 2021 مدفوعاً بقوة الطلب الخارجي على الصادرات الصناعية (انظر الرسم البياني 2). لسوء الحظ، قد يضعف مؤشر مديري المشتريات لمنطقة اليورو في أبريل 2021 حيث تصارع أوروبا القارية الموجة الثالثة من الجائحة ويضطر عدد من البلدان إلى إعادة فرض عمليات الإغلاق.
في الختام، نتوقع أن يتعزز التعافي الأمريكي أكثر، في حين ينضج التعافي القوي في الصين، ونرى وجود مخاطر قد تتسبب في تعثر التعافي في أوروبا. إجمالاً، من المتوقع أن يتعزز النمو العالمي تدريجياً مع مرور العام وتطعيم المزيد من الأشخاص ضد كوفيد-19.