يستمر الاقتصاد الصيني في تحقيق أداء قوي في أعقاب جائحة كوفيد-19. ويأتي هذا الزخم الإيجابي بعد الانهيار الاقتصادي المفاجئ في الربع الأول من عام 2020، عندما شهدت البلاد أول تراجع على أساس سنوي في الناتج المحلي الإجمالي منذ عقود، وذلك بسبب عمليات الإغلاق المرتبطة بكوفيد-19 وإجراءات التباعد الاجتماعي الأخرى.
وتستند قوة الاقتصاد الصيني على الإدارة الفعالة للجائحة والطلب العالمي القوي على الأجهزة الإلكترونية وتدابير التحفيز الاقتصادي القوية. ووفقاً للمكتب الوطني الصيني للإحصاء، نما الناتج المحلي الإجمالي للصين بنسبة 18.3% على أساس سنوي في الربع الأول من عام 2021، وبذلك يكون قد سجل نمواً لأربعة أرباع متتالية خلال فترة التعافي. تتعمق هذه المقالة في ثلاث نقاط رئيسية مرتبطة بالنشاط الاقتصادي الأخير في الصين.
أولاً، في حين أن نمو الناتج المحلي الإجمالي للصين في الربع الأول من عام 2021 يبدو استثنائياً، إلا أنه مدعوم بـ “تأثير القاعدة”، أي أنه كان مرتفعاً بشكل غير عادي بسبب القاعدة المنخفضة التي بُنيت عليها المقارنة وهي الربع الأول من عام 2020، الذي شهد الهبوط الاقتصادي الحاد الناجم عن الجائحة. وإذا نظرنا إلى النمو بالمقارنة مع الربع السابق، لا على أساس سنوي، فسنجد أن الاقتصاد سجل نمواً أكثر اعتدالاً تبلغ نسبته 0.3%. وذلك أيضاً يعتبر تطوراً إيجابياً، لكنه بعيد عما يشير إليه معدل النمو السنوي الكبير.
ثانياً، على الرغم من الصدمة غير المسبوقة الناتجة عن كوفيد-19 في العام الماضي، فإن الاقتصاد الصيني في طريقه للتعويض عن خسائره السابقة. على سبيل المثال، في أكتوبر 2019، توقع صندوق النقد الدولي نمو الناتج المحلي الإجمالي للصين بنسبة 12% من ذلك العام وحتى نهاية عام 2021. ولم يأخذ هذا التوقع في الحسبان حادثة “البجعة السوداء” المفاجئة التي ظهرت إثر تفشي الوباء. ولكن بالنظر إلى التعافي السريع للصين، حتى مع تفشي الوباء، يُتوقع حالياً أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي للبلاد بنسبة 11% من عام 2019 إلى عام 2021. وبعبارة أخرى، بحلول نهاية هذا العام، من المتوقع أن تكون الصين على بعد 1% فقط من الاتجاه السائد للناتج المحلي الإجمالي قبل الوباء. ويعد هذا الأمر إنجازاً غير عادي، حيث من المرجح أن تستغرق معظم الاقتصادات المتقدمة والناشئة سنوات للعودة إلى مستويات الناتج المحلي الإجمالي التي كانت سائدة قبل الوباء، ناهيك عن اللحاق باتجاهات الناتج المحلي الإجمالي قبل الوباء.
ثالثاً، على الرغم من التعافي الاقتصادي في الأرباع الأخيرة، لا يزال الاستهلاك المحلي الخاص في الصين ضعيفاً. ويشير هذا الأمر إلى أن النمو في مرحلة ما بعد كوفيد-19 لا يزال يعتمد بشكل مفرط على استثمارات البنية التحتية التي تستحدثها الدولة والتي تتطلب ائتماناً كثيفاً. وفي حين أن الاستثمارات العامة قد تكون مهمة لدعم الاقتصاد أثناء فترة الوباء، لا يُتوقع أن تكون مصدراً مستداماً للنمو طويل الأجل. فالبنية التحتية في الصين متطورة للغاية بالفعل وتميل الاستثمارات الإضافية في هذا القطاع إلى أن تكون أقل كفاءة، وغالباً ما تساهم في خلق مستويات غير ملائمة من المديونية والطاقة الفائضة. لذلك تتطلع السلطات الاقتصادية إلى تعزيز محركات النمو “الأعلى جودة” في المستقبل، مع التركيز على الاستهلاك، وصادرات التكنولوجيا، واستثمارات الشركات الخاصة.
بشكل عام، تثبت الصين مجدداً أن اقتصادها شديد المرونة في مواجهة الصدمات الخارجية. ويسير التعافي حالياً على قدم وساق ومن المتوقع أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي للبلاد بنسبة 8.6% هذا العام.