بعد مرور أكثر من عام على ظهور جائحة كوفيد-19، لا يزال الاقتصاد العالمي يتعرض للضغط مع ارتفاع الخسائر البشرية وبقاء الملايين عاطلين عن العمل. ومع ذلك، فإن الطريق للخروج من هذه الأزمة يزداد وضوحاً، على الرغم من عدم اليقين الكبير بشأن المسار المستقبلي للجائحة. ويجري تطعيم مئات الملايين من الناس بوتيرة غير مسبوقة مع تأقلم الكثير منهم مع العمل في ظل محدودية التنقل.
وقد نشر صندوق النقد الدولي مؤخراً تحديث شهر أبريل لتقريره حول آفاق الاقتصاد العالمي بعنوان “إدارة عمليات التعافي المتباينة”. وتتلخص نظرة صندوق النقد الدولي المحدثة بشأن الاقتصاد العالمي في أربع نقاط رئيسية، هي تحسن تقديرات النمو لعام 2020، ورفع توقعات النمو لعام 2021، على الرغم من التفاوت بين مختلف البلدان، واستمرار عدم اليقين.
أولاً، استمر صندوق النقد الدولي في رفع تقديراته لنمو الاقتصاد العالمي في عام 2020. فبينما كان الصندوق يتوقع في أكتوبر 2020 تراجع الناتج المحلي الإجمالي العالمي لعام 2020 بنسبة 4.4%، إلا أنه يتوقع الآن حدوث تراجع أقل تبلغ نسبته 3.3%. ويعود رفع تقديرات النمو لعام 2020 بشكل أساسي إلى التدابير الاقتصادية السريعة التي تم اتخاذها في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك 16 تريليون دولار من الدعم المالي، والتي حالت دون حدوث نتيجة أسوأ بكثير. في الواقع، تشير تقديرات صندوق النقد الدولي إلى أن الهبوط الذي حدث العام الماضي كان يمكن أن يكون أسوأ بثلاث مرات لولا هذا الدعم.
ثانياً، يستند رفع توقعات النمو العالمي لعام 2021 بشكل أساسي إلى الزيادة الكبيرة في توقعات نمو الاقتصاد الأمريكي، الذي يُتوقع أن ينمو بنسبة 6.4% في العام الحالي. في الواقع، فإن التحفيز الأمريكي قوي لدرجة أن الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي من المتوقع أن يتجاوز المستوى الذي كان يُتوقع أن يبلغه في عام 2022 قبل أن يتسبب كوفيد-19 في جائحة عالمية. بالإضافة إلى ذلك، من المتوقع أن يؤدي النشر الفعال والمستمر للقاحات إلى تعزيز النشاط في وقت لاحق من العام، وذلك على الرغم من التأثير السلبي على المدى القريب الناتج عن ارتفاع حالات الإصابة بكوفيد-19.
ثالثاً، تتباين مستويات التعافي عبر البلدان والمناطق. وتختلف قوة التوقعات اعتماداً على عاملين رئيسيين، شدة الوباء في كل بلد، وفعالية السياسة التحفيزية. ولم تتفوق الولايات المتحدة في الأداء من حيث سياسات التحفيز فحسب، بل قامت بالفعل بإعطاء أكثر من 50 جرعة من اللقاحات لكل مائة شخص، مما يؤدي بالفعل إلى إبطاء انتشار وباء كوفيد-19. وقدمت الصين أيضاً سياسة تحفيز قوية، لكنها اعتمدت على الاختبارات الفعالة، وتتبع المخالطين، وعمليات الإغلاق الموضعية المستهدفة لتجنب زيادة أخرى في حالات كوفيد-19، على الرغم من وتيرة التطعيم الأبطأ. في المقابل، عانت منطقة اليورو من أجل تقديم سياسة تحفيز فعالة أو طرح سريع للقاح ولا تزال تعاني من ارتفاع في حالات كوفيد-19. في الواقع، بسبب بيروقراطية الاتحاد الأوروبي، وقيود الإمداد، والتردد بشأن اللقاحات، قدم الاتحاد الأوروبي حوالي 20 جرعة من اللقاحات لكل مائة شخص. وهذا يمثل حوالي 40% فقط مما تستطيع الولايات المتحدة تقديمه، مما يضعف ويؤخر التعافي حتى وقت لاحق من العام.
رابعاً، لا يزال هناك قدر كبير من عدم اليقين الذي يحيط بالآفاق العالمية. وتكمن المخاطر الرئيسية في المسار المستقبلي للوباء وأسعار الفائدة الأمريكية. ويمكن أن يؤدي التقدم السريع في نشر اللقاحات إلى مزيد من الترقيات للتوقعات. وقد يؤدي ظهور طفرات فيروسية جديدة، تقلل من فعالية اللقاحات وتتطلب تعزيزات منتظمة، إلى هبوط حاد في التوقعات. كما قد يؤدي تباين سيناريوهات التعافي إلى مخاطر مالية إذا أدى النمو القوي في الولايات المتحدة إلى رفع أسعار الفائدة بطرق غير متوقعة. وقد يتسبب ذلك في انحسار تقييمات الأصول المتضخمة بطريقة غير منظمة، وتشديد الأوضاع المالية بشكل حاد، وتدهور آفاق التعافي. بشكل عام، على الرغم من التحديات قصيرة المدى المرتبطة بالموجات الجديدة من كوفيد-19، وضعف التعافي في أوروبا، قام صندوق النقد الدولي مجدداً برفع توقعاته للاقتصاد العالمي. ومع ذلك، فإن المستقبل يطرح تحديات كبيرة. ولم يتم التغلب على الوباء بعد، حيث تتزايد حالات الإصابة بالفيروس في بعض البلدان. وتتباين مستويات التعافي أيضاً عبر المناطق حيث يكون الأداء أقل جودة في الاقتصادات التي تتسم ببطء طرح اللقاح ومحدودية سياسات الدعم.