بيروت – تتصاعد مخاوف اللبنانيين بعد إقرار الحكومة مشروع موازنة 2022، وسط تقديرات حول تكريسها واقع الفقر الذي يطال نحو 80% من السكان، فيما تُدرج الحكومة موازنتها ضمن سعيها للإنقاذ، معترفة أن “خطة التعافي عملية صعبة جدا”.
وعبّر مواطنون عن سخطهم حين دعا رئيس الحكومة نجيب ميقاتي إلى “تحمل بعضهم بعضا”، معترفا بالإفلاس المطلق، وشدد كثيرون على عدم قدرتهم بالصمود أمام واقع عبثي أطبق على سبل العيش في لبنان.
وتحظى موازنة 2022 في لبنان بأهمية استثنائية، داخليا وخارجيا، كونها معبرا إلزاميا لاتفاق بيروت مع صندوق النقد الدولي على برنامج دعم، وذلك في حال كانت مقنعة وشفافة واقترنت بالإصلاحات وخطة تعافٍ شاملة، ماليا واقتصاديا واجتماعيا.
مشروع الموازنة
أقرت الحكومة اللبنانية الخميس الماضي مشروع الموازنة بعد 8 جلسات من مناقشتها، وأحالتها إلى البرلمان لدراستها، قبل دخولها حيز التنفيذ، وقد تستغرق غرق أسابيع عديدة.
وبلغ عجز الموازنة 17%، بينما قد يصل لـ29%، لأنها استثنت سلفة الكهرباء وخطة معالجتها، وفق ما يؤكد الخبير الاقتصادي والنقيب الأسبق لخبراء المحاسبة المجازين في لبنان أمين صالح للجزيرة نت.
ويصف صالح مشروع الموازنة بالسيئ، إذ “لم تأخذ طابعا استثنائيا واستثماريا بمستوى الأزمة التاريخية، واقتصرت على تقدير مشوه للنفقات والواردات دون خطط تنموية”. بل ستساهم -وفقه- بتعميق حالة الفقر والانكماش والتضخم، استنادا إلى حقائق عديدة وردت فيها، منها:
- استثناء الكهرباء من الموازنة، وهو سلوك مستمر منذ 1993 ومخالف للقوانين، إذ يتم الاستغناء عنها بسلفات خزينة، بينما سلف الكهرباء هي إنفاق، ومؤسسة كهرباء لبنان لا يمكنها أن تسد سلف الخزينة، وبالتالي، يجب احتسابها مع عجز الموازنة.
- تعددية أسعار الصرف بالموازنة لمختلف تقديرات النفقات والواردات، واعتماد عملتين بالاحتساب، ما يفقدها الشفافية والوضوح.
- زيادة الأعباء الضريبية والرسوم على السلع والخدمات، أي رسوم الاستهلاك الداخلية وبما فيها الضريبة على القيمة المضافة نحو 424%.
- فرضت الموازنة 19% فقط كضرائب على الدخل والأرباح (تطال أصحاب رأس المال)، ورفعت الضرائب على الأملاك والعقارات نحو 218%.
- احتساب الدولار الجمركي وفق سعر صرف الدولار بمنصة صيرفة لمصرف لبنان (وهو متحرك ويبلغ حاليا نحو 20 ألفا و800 ليرة) مقابل إعطاء وزير المالية صلاحية استثنائية بإعلان السعر شهريا. وبالتالي -وفق صالح- ستزيد الرسوم الجمركية (باستثناء بعض السلع الغذائية الأساسية) نحو 618%، لكن “الضرائب والرسوم حلقة واحدة، وستزيد الكلفة التشغيلية على كل السلع الأساسية والكمالية”.
- دفع نحو 60% من المبلغ المخصص لتسديد فوائد الدين العام لمصرف لبنان والمصارف التجارية، بدل شطبها.
- تخفيض الموازنة الإنفاق الحكومي الاستثماري لنحو 4% بعد أن كان نحو 7%، وهذا يعني عدم رصد نفقات لتحسين الخدمات العامة وتأهيل البنى التحتية المتهالكة.
وهنا، يعتبر منير راشد رئيس الجمعية الاقتصادية اللبنانية والخبير السابق لدى صندوق النقد الدولي أن الموازنة تعتريها فجوات كبيرة؛ ما يفقدها الطابع الإصلاحي، خصوصا لجهة النفقات، مسلطا الضوء على عدم شمولها ديون سندات اليوروبوند، وتبلغ وحدها نحو 39 مليار دولار.
وقال إن الموازنة لا تخدم هذه الديون وإعادة جدولتها مع المستثمرين بعد أن تخلف لبنان عن تسديد مستحقاتها منذ مارس/آذار 2020.
مخاوف العمال والمواطنين
وهنا، يتحدث كاسترو عبد الله رئيس الاتحاد الوطني لنقابات العمال والمستخدمين في لبنان عما يسميه التداعيات الكارثية للموازنة على العمال، “لأنها شطبت جزءا أساسيا من الديون الحكومية المتراكمة للضمان الاجتماعي”.
وقال عبد الله للجزيرة نت إن السلطات اللبنانية تحمل الشعب اللبناني وفقراءه ثقل فساد عمره أكثر من 30 عاما، عبر ضرب الضمان الاجتماعي وتعويضات نهاية الخدمة، وبفرض مزيد من الضرائب والرسوم مقابل اللاشيء، مذكرا أن المواطن مرهون لفوضى السوق النقدي والتجار المحتكرين والمصارف الممتنعة عن تسديد الودائع كاملة.
ويعتبر رئيس الاتحاد أن السلطة تريد استيفاء إيراداتها من جيوب الناس، رغم وجود مصادر أخرى، كالضرائب على كبار رؤوس الأموال الذين يشكلون نحو 1% ويستحوذون على ثروات البلاد، كما يمكن تحصيلها من تغريم المعتدين على الأملاك البحرية ومن المشاعات والأوقاف الدينية.
ويتحدث عبد الله عن تحركات يجري تحضيرها بين النقابات “لأن هدفنا إسقاط الموازنة وحماية المواطنين من تداعياتها”.
موقف صندوق النقد
تتمحور الإشكالية في الوقت الراهن حول موقف صندوق النقد الدولي من هذه الموازنة، ويرى مراقبون أن الصندوق قد يبلغ مرحلة اليأس من التعاطي مع النخبة الحاكمة في لبنان، وهو ما تجلى بتعليقه أول أمس الجمعة 11 فبراير/شباط، مع اختتام محادثات استمرت أكثر من أسبوعين عبر الإنترنت مع مسؤولين لبنانيين.
ووصف الصندوق الأزمة اللبنانية بـ”المعقدة وغير المسبوقة”، وشدد على عدم منح لبنان أي دعم مالي ما لم تباشر الحكومة بإصلاحات طموحة ضرورية، معتبرا أن الموازنة قد توفر فرصة لتصحيح وضع الميزانية الكارثي، لكنه رأى أن حجم الخسائر غير المسبوق بالقطاع المالي يجب معالجته بطريقة شفافة.
وهنا، يذكر منير راشد أن الموازنة لم تلحظ خطة لإصلاح القطاع المصرفي ولمعالجة الخسائر التي قُدرت بنحو 69 مليار دولار.
ويشير راشد إلى أن الأزمة الفعلية تكمن في السياسات المالية التي يطالب الصندوق بإصلاحها، “لأن الناس وضعت أموالها بالمصارف، والمصارف وضعتها بالمركزي، والأخير صرفها منها كديون للدولة دون وجه حق قانوني ودستوري وعلى حساب الاقتصاد والمودعين والمستثمرين اللبنانيين والعرب والأجانب”.
ويرجح صالح أن يطالب الصندوق بإعادة صياغة الموازنة بمعايير أخرى، أما في حال لم تستجب الحكومة اللبنانية، فيتوقع مع أمين صالح انسداد الأفق بمفاوضات لبنان مع صندوق النقد، “خصوصا أن الحكومة لم تنجز أي خطوة إصلاحية تعيد النشاط الاقتصادي، ولم تقم بجدولة ديونها وهيكلتها ولم تحدد كيفية تمويلها”، ما يجعل إنجاز خطة التعافي -وفق صالح- مسألة أكثر تعقيدا من الموازنة.