أعقب الأيام الأولى للحرب في أوكرانيا تسجيل ارتفاع ملحوظ في أسعار المنتجات الزراعية الأساسية. وعلى المدى القصير، لا يخيف هذا الأمر أوروبا بقدر ارتفاع أسعار الغاز وبقية المنتجات النفطية.
وفي مقاله الذي نشرته مجلة “لوبوان” (le point) الفرنسية، قال الكاتب كريستيان دي بيرتوي إن الارتفاع الأخير في أسعار المنتجات الزراعية يجب أن يدق ناقوس الخطر لأنه يأتي في سياق تعتبر فيه أسعار المواد الغذائية الأساسية بالفعل مرتفعة. ويشكل تفاقم الصراع العسكري في أوكرانيا تهديدا للأمن الغذائي العالمي.
أزمة الأسواق
تنشر منظمة الأغذية والزراعة (فاو) (FAO) شهريا مؤشر أسعار الغذاء الذي وصل إلى مستوى غير مسبوق في فبراير/شباط. ويعزى هذا الوضع إلى الاضطرابات التي طالت الأسواق الزراعية خلال السنوات الثلاث الماضية، وعلى وجه التحديد البذور الزيتية والحبوب بما في ذلك الأرز.
ولم يكن للجائحة تأثير كبير على الطلب كما هو الحال بالنسبة للسلع والخدمات الصناعية، وما بين 2020 و2021 كان الطلب على الحبوب استثنائيا في الصين بعد انتهاء إنفلونزا الخنازير.
وفيما يتعلق بالعرض، تسببت الاضطرابات المناخية في أضرار على المستوى المحلي بينما استمر نمو الإنتاج العالمي للحبوب والبذور الزيتية. وفي مواجهة ارتفاع الطلب، تراجعت مخزونات الذرة والبذور الزيتية، بينما لم تتأثر مخزونات القمح.
وقبل اندلاع الحرب في أوكرانيا، توقعت الفاو في نشرتها الأخيرة استقرار المخزونات نهاية موسم 2021/2022 (من يونيو/حزيران إلى يوليو/تموز) لتغطي حوالي 4.5 أشهر من الاستهلاك.
وبالفعل حذرت الفاو الجمعة من أن الأسعار العالمية للأغذية والأعلاف قد ترتفع بما يتراوح بين 8 و20% نتيجة الصراع الدائر بأوكرانيا، مما سيؤدي إلى قفزة في عدد الأشخاص الذين يعانون من سوء التغذية في شتى أنحاء العالم.
صدمة ثلاثية
أشار الكاتب إلى أن الصراع لم يتسبب في انقطاع إمدادات الغاز والنفط الروسية وإنما قطع جميع شحنات الحبوب الأوكرانية التي يمر 95% منها عبر موانئ البحر الأسود، وينطبق الأمر ذاته على الشحنات الروسية من بحر آزوف. وقد كان لهذا الانقطاع في خطوط الإمداد تأثير مباشر على توازن السوق العالمية لـ 3 منتجات: القمح والذرة وعباد الشمس.
يعتبر القمح أكثر أنواع الحبوب تداولا في العالم، وتستأثر كل من روسيا وأوكرانيا بما لا يقل عن 15% من الإنتاج العالمي وحوالي 30% من صادرات هذا المحصول الحيوي.
قبل اندلاع الحرب، بلغت كمية القمح الموجهة للتصدير في أوكرانيا -التي حصدت محصولا قياسيا عام 2021- حوالي 6 ملايين طن مقابل ما يقارب 8 ملايين بالنسبة لروسيا. وهذه الصادرات موجهة بشكل أساسي إلى دول شمال أفريقيا والشرق الأوسط المصنفة ضمن المشترين الرئيسيين.
في ظل هذا الوضع، لابد من إيجاد بديل لأن انقطاع هذه الإمدادات -وإن كان لا يخلف مشكلة وفرة على المدى القصير بالنظر إلى المخزونات العالمية- إلا أنه يضغط على الأسعار مما يعني أن تواصل الصراع الروسي الأوكراني سوف يجعل الأمور أسوأ مما هي عليه الآن.
دوامة خطيرة
إلى جانب تأثيراته المباشرة على العرض والطلب العالمي على الحبوب، خلف الصراع الروسي الأوكراني دوامة من ارتفاع تكاليف الإنتاج الزراعي بالنظر إلى أن روسيا تعد أكبر مصدر للأسمدة.
وإذا ما تأثرت خطوط إمداد هذه المنتجات بسبب العقوبات الغربية، فإن الأسعار سترتفع. ومن شأن ذلك أن يؤثر على منتجي الحبوب خاصة الفرنسيين.
وسيعاني مربو الماشية من زيادة ثلاثية في تكلفة الإنتاج تشمل الحبوب والأعلاف والأسمدة والوقود.
ارتفاع حتمي
ستؤدي الحرب في أوكرانيا إلى تفاقم معدلات التضخم بالنظر إلى تأثيرها المزدوج على أسعار الطاقة والمنتجات الغذائية.
وفي الوقت الذي سيمكن فيه ارتفاع أسعار المنتجات الزراعية الأساسية البلدان الرئيسية المصدرة (وهي بالأساس المتقدمة الناشئة بأميركا اللاتينية) من جني عائدات تصدير إضافية سيوفر لها مداخيل تساعدها على تخفيف تأثيرات ارتفاع الأسعار على سكانها، سيتعين على البلدان المستوردة (الآسيوية الناشئة والأقل نموا) البحث عن المزيد من الموارد المالية بالعملة الصعبة لتمويل وارداتها الغذائية.
تهديدات
نبه الكاتب إلى أن الشعب الأوكراني سيكون أول المتضررين من تدهور الوضع الغذائي رغم امتلاء صوامع البلاد بعد حصاد وفير. وتفرض الحرب على المدى المتوسط خطر تسجيل عجز في سوق القمح.
سيناريوهات
إذا انتهى الصراع بانتصار روسيا، فإن الكرملين سيستحوذ على ثلث سوق القمح العالمي وحوالي 20% من سوق الذرة و75% من السوق العالمي لعباد الشمس وأكثر من نصف سوق الأسمدة النيتروجينية والبوتاس. وهو بذلك يكتسب ما أسماه الكاتب “سلاحا غذائيا” هائلا.
أما فيما يتعلق بأسواق الطاقة، فإن التحدي الذي ينتظر البلدان المتقدمة وخاصة أوروبا هو الحيلولة دون تسبب العقوبات في ارتفاع أسعار النفط إلى مستويات قياسية.
المصدر : رويترز + لوبوان