يهدد الانخفاض الحاد في الصادرات الأوكرانية والروسية إمدادات بعض الدول، لا سيما في أفريقيا.
وفي تقرير نشرته صحيفة “لوفيغارو” (Le Figaro) الفرنسية يقول الكاتب جوليان دا سوا إنه في بعض البلدان يُنظر إلى الحرب في أوكرانيا وعواقبها على القمح بقلق عميق، إذ يهدد الصراع بتعريض إمدادات الدول، التي تعتمد على واردات هذه الحبوب الأساسية للخطر. فمنذ اندلاع الحرب، لا مزيد من القمح يخرج من الموانئ الأوكرانية.
وينقل الكاتب عن سيباستيان أبيس مدير منظمة “ديميتر” (DEMETER) -وهي مؤسسة فكرية متخصصة في القضايا الزراعية- قوله “في روسيا، يكاد يكون التدفق البحري للسفن القادم من البحر الأسود منعدما، لا سيما بسبب التوترات العسكرية”، فيما يرى الكاتب أن المشكلة تكمن في أن روسيا وأوكرانيا هما على التوالي أول وخامس مصدّر للقمح في العالم، ويمثلان معا حوالي ثلث صادرات الكوكب من القمح.
ويشير الكاتب إلى أنه في الثلاثاء الماضي دق وزير الزراعة والغذاء الفرنسي جوليان دي نورماندي ناقوس الخطر لافتا إلى أنه “في جميع أنحاء البحر الأبيض المتوسط، تعتمد الكثير من الدول على صادرات القمح الروسية أو الأوكرانية”، مضيفا أن هذه الدول تعاني أيضا من “جفاف رهيب”، وهكذا عبر الوزير عن خوفه من حدوث “أزمة غذاء عالمية في غضون 12 إلى 18 شهرا”.
ويبين الكاتب أن كلا من مصر وليبيا وتونس والمغرب وحتى الجزائر؛ تعتبر من الدول التي تستورد كميات كبيرة من القمح من روسيا وأوكرانيا.
لكن -وفق الكاتب- شمال أفريقيا ليست المنطقة الوحيدة في العالم التي تراقب عن كثب الوضع شرق أوروبا؛ إذ تعتمد أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، وفي جنوب شرق آسيا، وفي الشرق الأوسط، وكذلك دول الجوار المباشر لروسيا وأوكرانيا (بيلاروسيا، كازاخستان، جورجيا، لاتفيا وغيرها) كثيرا على القمح الروسي والأوكراني.
أفريقيا على خط المواجهة
وفق الكاتب؛ فإن آرثر بورتييه المحلل في شركة “أغريتال” (Agritel) المتخصصة في الأسواق الزراعية؛ قال “كان لدى أوكرانيا 6 ملايين طن من القمح المتبقي للتصدير بين نهاية فبراير/شباط ونهاية يونيو/حزيران، وبالتالي يتعين إيجاد حل بديل، ناهيك عن جزء كبير من نحو 8 ملايين طن من القمح الروسي، الذي كانت الدولة تخطط لتصديره خلال نفس الفترة”.
كما تقول هيلين دوفلوت -وهي محللة سوق الحبوب في مكتب “تالاج” (Tallage) للأبحاث الزراعية الاقتصادية المتخصص في أسواق الحبوب والبذور الزيتية الأوروبية والعالمية- “لقد خفضنا توقعاتنا لتصدير القمح من نهاية فبراير/شباط إلى نهاية يونيو/حزيران بمقدار 10 ملايين طن بالنسبة لأوكرانيا وروسيا”.
ويؤكد آرثر بورتييه أن دول شمال إفريقيا ستكون في وضع أكثر صعوبة، مشيرًا إلى أن مصر، باعتبارها أكبر مستورد للقمح في العالم، ستجد نفسها في مأزق، لأن البلاد تستورد عادة مليون طن من القمح الأوكراني في المتوسط خلال الفترة المتراوحة بين فبراير/شباط ويونيو/حزيران، كما ستجد الجزائر نفسها أيضا في وضع حرج، حيث اشترت حوالي 1.5 مليون طن من القمح من البحر الأسود كان من المفترض تتسلمه في الفترة المتراوحة بين مارس/آذار وأبريل/نيسان”.
ويرى الكاتب أن هناك دولا أخرى -لا سيما فرنسا- تنافس لتحل محل الحوض الروسي الأوكراني، فيما تبدو الجزائر أقل تأثرا بهذه الأزمة مقارنة بالقاهرة، بفضل تصدير النفط الذي وصل سعره لذروته (حوالي 120 دولارا للبرميل)؛ ولهذا تمنحها هذه الإيرادات القدرة المالية على شراء القمح.
ويعتقد الكاتب أنه يجب أيضا تسليط الضوء على بعض البلدان في أفريقيا جنوب الصحراء بعناية، لأنه -وفقا للمحللة هيلين دوفلو- إذا كان توفر القمح في البلدان المصدرة الأخرى (أوروبا، الهند، أستراليا وغيرها) كافيا لتلبية احتياجات الاستيراد لشمال أفريقيا وجنوب شرق آسيا والشرق الأوسط، فسنتوقع من ناحية أخرى تأثرا بسيطا للطلب على أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى”.
أو بمعنى آخر -وفق الكاتب- يمكن أن يكون هناك نقص في القمح في هذه البلدان -على سبيل المثال في نيجيريا والكاميرون والسنغال- بسبب انخفاض الإمدادات العالمية والأسعار المرتفعة للغاية بالنسبة لهذه الاقتصادات النامية.
نحو “احتجاجات” جديدة بسبب الجوع؟
وينقل الكاتب عن سيباستيان أبيس، الباحث المشارك في معهد العلاقات الدولية والإستراتيجية قوله “على نطاق أوسع، نحن حاليا أمام أسعار غير مستدامة لجميع البلدان المستوردة”؛ حيث تؤثر الاضطرابات التي أحدثها الصراع الروسي الأوكراني بالفعل على جميع المستوردين، وليس فقط أولئك الذين يعتمدون على موسكو وكييف، وذلك من خلال الأسعار المرتفعة في الأسواق المالية.
ويضيف أبيس أن هناك مخاوف جدية في مصر والصين وإندونيسيا ونيجيريا وتايلاند وتركيا ودول أخرى من أكبر المستوردين
وأفاد الكاتب أنه من شأن هذا الوضع أن ينعش شبح الاحتجاجات الشعبية بسبب الجوع، مثل المظاهرات التي اندلعت في عام 2008 في عدة دول، معظمها أفريقية؛ ردا على ارتفاع أسعار الحبوب.
ووفق الكاتب يرجح آرثر بورتييه إمكانية “حدوث اضطرابات اجتماعية في البلدان المستوردة للقمح”، بينما في المقابل يرى الباحث سيباستيان أبيس أنه “لا يمكن لعامل الطعام وحده أن يؤدي إلى مظاهرات، حتى لو كان ذلك “مركزيا”، على الرغم من أن “هذه الدول تمر بوضع سياسي واقتصادي متدهور”.
ويقول الكاتب إنه على المدى الطويل، فإن التوقعات غير مؤكدة، متسائلا ماذا لو تعثر الصراع الروسي الأوكراني، مما قد يؤدى إلى تعطيل صادرات البلدين بمرور الوقت؟ هنا يجيب آرثر بورتييه “لا يمكننا الاستغناء عن روسيا وأوكرانيا إلى الأبد”، مشيرا إلى أن الحصاد القادم في أوكرانيا لا يزال بحاجة إلى أن يتم.
فيما يتساءل سيباستيان أبيس قائلا “إذا كانت أوكرانيا غير قادرة على الحصاد بسبب نقص البذور، فمن سيتولى المسؤولية؟” في هذه الحالة، وقد أكد الوزير الفرنسي جوليان دي نورماندي أن الاتحاد الأوروبي هو الذي سيتحمل المسؤولية، وفق الكاتب.
المصدر : لوفيغارو + الجزيرة.نت