موسكو- انتعش الروبل الروسي بشكل مفاجئ وسريع، ووصل إلى مستوى ما قبل العقوبات الغربية الأخيرة بمعدل 75 روبلا مقابل الدولار و81 مقابل اليورو، بعد أن انخفض بشكل تاريخي وغير مسبوق في 10 مارس/آذار الماضي وتجاوز حاجز الـ120 روبلا مقابل الدولار وإلى 132 مقابل اليورو.
ويدور النقاش حاليا في المدونات والمنتديات بشكل كبير حول أن سعر الروبل قد يصل إلى 40 أو 50 أو 60 لكل دولار، ويعزو خبراء الاقتصاد ذلك إلى انخفاض الواردات، ورقابة الدولة المشددة على رؤوس الأموال، والقيود الدولية على الاستثمار، والتوقعات بأن يصل فائض الحساب الجاري لروسيا إلى مستوى قياسي جديد في عام 2022.
ويطرح انخفاض سعر صرف الدولار مقابل الروبل الروسي بنسبة 40% تقريبا تساؤلات حول أسباب هذا الانتعاش القوي للروبل، والآفاق المحتملة لأسعار العملات الصعبة مقابله.
ويجري كل ذلك على خلفية القيود الثنائية، ففي الوقت الذي تقيم فيه الدول الغربية حواجز شاملة أمام الاقتصاد الروسي تتخذ السلطات المالية الروسية إجراءات مضادة لتحقيق الاستقرار في نظامها المالي، فقد قامت الدولة باستحداث عمولات بنسبة 12% لشراء الدولار واليورو والجنيه الإسترليني، والتي لا تنطبق فقط على الأفراد، ولكن أيضا على الشركات.
كما تم فرض قيود على عمليات السحب والتحويلات النقدية إلى الخارج، ففي عام 2021 تم جلب أكثر من 16 مليار دولار وحوالي 8 مليارات يورو إلى البلاد.
وفي سياق الحظر الكامل على استيراد الأوراق النقدية بالدولار واليورو من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي إلى روسيا من المرجح أن يكون إجراء البنك المركزي الروسي قد جاء ردا على ذلك يهدف من بين أمور أخرى إلى الحد من مخاطر تشكيل سوق سوداء للنقد الأجنبي، مع الأخذ بعين الاعتبار أنه تاريخيا لطالما كانت العملة الصعبة -ولا سيما الدولار- العملة المفضلة لدى المواطنين الروس للحفاظ على رأس المال في بيئة اقتصادية مضطربة.
وعلاوة على ذلك، تم رفع معيار البيع الإلزامي لعائدات التصدير إلى 80% لجميع وكلاء التجارة الخارجية.
ووفقا للتقديرات الرسمية، ارتفع المعروض من العملات الأجنبية في السوق نتيجة لهذه الإجراءات إلى 1.5 مليار دولار يوميا، وهو أمر بالغ الأهمية نظرا لانخفاض حجم تداول العملات بنسبة 35% في مارس/آذار.
إجراءات وقف الضغط
وإلى قائمة الأسباب يمكن إضافة تعليق تطبيق “قواعد الميزانية”، والذي أدى إلى تحويل الأرباح الفائضة من بيع النفط إلى صندوق الثروة الوطنية التابع لوزارة المالية، وذلك من خلال شراء العملات الأجنبية من السوق.
ومع استمرار ارتفاع أسعار المواد الخام في الأسواق العالمية في الارتفاع وتكوين موارد إضافية داخل البلاد توقف بشكل شبه مفاجئ الضغط على سعر صرف الروبل.
يشار إلى أن من بين الإجراءات الطارئة التي اتخذتها الحكومة الروسية لمواجهة انهيار الروبل عزل غير المقيمين عن سوق الأوراق المالية، وفرض حظر على حقوق الأوراق المالية الخاصة بهم، كما جرى تقييد مدفوعات الفائدة على الأسهم والسندات واستبعاد “عبء” مبيعات المشاركين الأجانب على الرغم من أن حصتهم في التداول الحر للأوراق المالية لا تزال بين 60 و80%.
إضافة إلى ذلك، فإن حظر دفع القسائم وأصول الديون على سندات اليورو بوند التابعة للاتحاد الروسي جاء من قبل الأجانب أنفسهم وأيضا من وزارة الخزانة الأميركية، وهذا يعني أنه لن يكون هناك تدفق كبير لرؤوس الأموال من الدولة، والتي كانت تصل في السابق إلى عشرات المليارات من الدولارات.
انتعاش مؤقت
في المقابل، يرى مراقبون أنه قد يكون لتخفيف الرقابة الداخلية على النقد الأجنبي من قبل البنك المركزي تأثير على وقف تعزيز الروبل، كما أن من العوامل المهمة التي يمكن أن توقف تعزيز سعره انخفاض أسعار الطاقة، إلى جانب انخفاض حجم مشتريات المواد الخام من قبل “الدول غير الصديقة”، والتي تمثل حوالي 70% من الصادرات الروسية.
ومع ذلك، وعلى ضوء النقص المستمر في موارد الطاقة فإن العامل الأخير في تعزيز العملة الوطنية لا يزال ذا طبيعة ثانوية، فضلا عن أن هذا الانتعاش قد يكون مؤقتا وتحت اعتبارات ظرفية كما يرى المحلل الاقتصادي ألكسندر بوتافين.
ويرى بوتافين أنه يمكن للروبل أن يستعيد عافيته إذا تراجع العرض الزائد من العملات الأجنبية في السوق ولم يتم إلغاء القيود على رؤوس الأموال.
ويضيف أنه لبعض الوقت يمكن أن يرتفع سعر صرف الروبل بالفعل ولو من باب تخفيف الانزعاج النفسي للمواطنين العاديين وكبح جماح التضخم، لكنه يستبعد أن ينخفض الدولار بشكل كبير إلى ما دون علامة 80 مقابل الروبل.
وختم بأن الأشهر الثلاثة المقبلة قد تكون مواتية للروبل إذا بقيت ضوابط رأس المال سارية ولم يتم فرض قيود واسعة النطاق على صادرات الطاقة الروسية.
المصدر : الجزيرة