الدوحة – قطر
رجح التحليل الاقتصادي الأسبوعي لمجموعة “كيو ان بي QNB” أن تستفيد الأسواق الناشئة من دروس “نوبة الغضب” التي شهدها عام 2013 عندما أعلن بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي إمكانية إبطاء وتيرة برنامج شراء الأصول، وارتفع العائد على سندات الخزانة الأمريكية لمدة 10 سنوات من 1.7 في المائة في أبريل 2013 إلى 2.5 في المائة في نهاية يونيو 2013.
وقال التحليل الصادر أمس إن ذلك يأتي بينما تتأهب تلك الأسواق لجولة أخرى محتملة من هروب رؤوس الأموال بسبب التشديد المتوقع للسياسة النقدية ابتداء من هذا العام، خصوصا مع اقتراب التاريخ المحتمل لرفع سعر الفائدة من قبل بنك الاحتياطي الفيدرالي الامريكي، حسب ما أكدته جانيت يلين رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي مؤخرا.
وأوضح أن السياسة النقدية الميسّرة بشكل مفرط في الولايات المتحدة أدت على مدى السنوات السبع الماضية إلى خروج كبير لرؤوس الأموال إلى الأسواق الناشئة بحثا عن عوائد، مبينا أن تطبيع السياسة النقدية الأمريكية يمكن أن يعكس اتجاه التدفقات الرأسمالية هذه، كما فعل في منتصف عام 2013 أثناء ما عُرف باسم “نوبة الغضب على خفض برنامج شراء الأصول”.
وتساءل التحليل عن الدروس التي يمكن للأسواق الناشئة استخلاصها من نوبة الغضب التي حدثت في عام 2013 قبل قيام بنك الاحتياطي الفيدرالي برفع سعر الفائدة في وقت لاحق هذا العام، مشيرا إلى الآثار التي تركتها “نوبة الغضب” هذه عندما شهدت الأسواق الناشئة صافي تدفقات خارجة لرأس المال بقيمة 29 مليار دولار أمريكي في يونيو 2013 وحده، مقارنة مع متوسط تدفقات خارجة بلغ 26 مليار دولار أمريكي شهريا في السنوات الثلاث والنصف التي سبقت ذلك.
وقال إن هذا الأمر دفع الأسواق الناشئة للرد بثلاث طرق، الأولى حين رفعت العديد من الأسواق الناشئة الرئيسية بحلول نهاية شهر أغسطس من العام 2013، أسعار الفائدة وكانت الهند هي أكثرها جرأة، حيث رفعت سعر الاقراض الخاص بها إلى 2 في المائة في 15 يوليو، وزادت كل من البرازيل واندونيسيا أسعار الفائدة بنسبة 1.5 في المائة و1.25 في المائة على التوالي، بينما رفعت تركيا سعر اقراضها بنسبة 0.75 في المائة.
تخفيف التدفقات على المدى القصير
ورأى تحليل”كيو ان بي” أن ارتفاع أسعار الفائدة قد يساعد على تخفيف التدفقات الخارجة على المدى القصير، خاصة خلال الأزمات ومع ذلك، فإنه أيضا يكبح النمو الاقتصادي من خلال رفع تكلفة الاقتراض. وقد ساعد التشديد الفوريّ للسياسة النقدية على استقرار الأوضاع بمعظم الأسواق الناشئة، مع تعافي صافي تدفقات رؤوس الأموال الواردة إلى 16 مليار دولار أمريكي في المتوسط منذ نوبة الغضب.
أما الثانية فأجرت من خلالها بعض الأسواق الناشئة تعديلات ضريبية وقانونية لتشجيع التدفقات الواردة لرأس المال والحد من التدفقات الخارجة حيث ألغت البرازيل ضريبة بنسبة 6 في المائة على الاستثمار في السندات الأجنبية وضريبة نسبتها 1 في المائة على مشتقات العملة، وأزالت الهند السقف الخاص بتملك الأجانب للأسهم في قطاع الاتصالات، وقدمت حوافز لحث الهنود المقيمين في الخارج على إيداع مدخراتهم في الهند، وفرضت قيودا على واردات الذهب للحد من العجز الكبير في الحساب الجاري.
أما الثالثة فتتلخص في أن هروب رؤوس الأموال أدى إلى إضعاف أسعار الصرف بشكل كبير، على الرغم من أن عددا من الأسواق الناشئة تدخلت لدعم عملاتها، الأمر الذي أدى إلى استنزاف احتياطيات النقد الأجنبي، وكان التراجع في قيمة الروبية الهندية هو الأكبر، حيث هبطت قيمتها بنسبة 22 في المائة بنهاية أغسطس. كما تراجعت قيمة الريال البرازيلي بنسبة 19 في المائة، والروبية الاندونيسية بنسبة 15 في المائة، والليرة التركية بنسبة 14 في المائة خلال نفس الفترة.
ولفت إلى أن لتراجع أسعار الصرف آثارا إيجابية على الاقتصاد مثل زيادة قدرة الصادرات على المنافسة ورفع تكلفة الواردات، الأمر الذي يساعد على الحد من عجز الحساب الجاري. كما أن هناك أيضا مساوئ، حيث يزيد ضعف أسعار الصرف عبء الدين بالعملات الأجنبية.
ففي الهند التي تبلغ فيها نسبة الدين بالعملات الأجنبية 16 في المائة فقط من الناتج المحلي الإجمالي، كان ضعف سعر صرف العملة في الأغلب في صالح البلاد، حيث ساعد على تقليص العجز في الحساب الجاري من 4,9 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2012 إلى 1.7 في المائة في عام 2013. أما في تركيا التي تبلغ نسبة دينها بالعملات الأجنبية 47 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، فقد كان ضعف سعر الصرف ربما أشدّ تأثيرا على إبطاء النمو.
وفيما نبه إلى أن نسبة المفاضلة بين النمو والاستقرار ستختلف من بلد لآخر، قال إن الأسواق الناشئة تبنت مزيجا من السياسات خلال نوبة الغضب، ويُفترض لتشديد السياسة النقدية والقيود القانونية المؤقتة والموجهة أن تساعد على تخفيف تدفقات رؤوس الاموال الخارجة من الأسواق الناشئة والسماح لأسعار الصرف بالهبوط، وهو ما قد يساعد على تحقيق تصحيحات مؤلمة، ولكنها سريعة الأثر في الحدّ من عجز الحساب الجاري.