الدوحة – كيو بزنس
تبدو مدينة غلاسكو ذات طابع صلب في المظهر، ورقيق في الجوهر، وهي المدينة التي عُرِفتْ بأنها أخرجت إلى العالم شخصيات قيادية شديدة المراس، مثل المدير الفني السابق لفريق مانشستر يونايتد الانجليزي لكرة القدم السير “أليكس فرغسون” وكذلك ممثلين هزليين مثل بيلي كونولي.
وبحسب بي بي سي، تعد غلاسكو كبرى المدن في اسكتلندا، وقد فاقت في شهرتها العاصمة أدنبره.
وفي ذروة ازدهار النشاط الصناعي فيها، كانت غلاسكو – الواقعة على ضفتي نهر كلايد – بمثابة حوض بناء السفن الرئيسي في العالم، ولكن بعد انهيار صناعاتها الثقيلة، أمضت المدينة الأعوام الثلاثين الأخيرة في إجراء تغييرات شاملة لتبدو في مظهر جديد تماما.
وبقول سكوت تايلور، الرئيس التنفيذي لمكتب الترويج لمدينة غلاسكو، إن هذه المدينة تقدم اليوم نموذجا رائدا لـ “الكيفية التي يمكن للمدن من خلالها تغيير نمط أنشطتها الاقتصادية”.
ففي هذه الأيام، لا يقتصر النشاط الذي تموج به غلاسكو على صناعة السياحة التي يبلغ عدد العاملين فيها زهاء 32 ألف شخص، إذ أن المدينة باتت تشكل مركزا للخبرات العاملة في مجال تطوير التقنيات منخفضة الانبعاثات الكربونية لتوليد الطاقة.
فعلى سبيل المثال، تتخذ شركة (إس إس إي) – وهي أكبر مؤسسة لتوليد الكهرباء من مصادر الطاقة المتجددة في المملكة المتحدة – من اسكتلندا مركزا لمقرها الأوروبي للطاقة الصديقة للبيئة.
كما أن اسكتلندا تشكل كذلك قاعدة عالمية لأنشطة شركة “سكوتيش باور” التابعة لمجموعة “ابردرولا” فيما يتعلق بالمنشآت الخاصة بتوليد الكهرباء باستخدام طاقة الرياح، في المناطق الساحلية القريبة من الشواطئ.
ومن بين الأنشطة الصناعية والتجارية الموجودة بقوة في غلاسكو أيضا، تلك المرتبطة بما يُعرف بـ”علوم الحياة”، وهي العلوم المتعلقة بدراسة الكائنات الحية مثل البيولوجيا وعلم وظائف الأعضاء والكيمياء الحيوية وغيرها.
وتوجد في هذه المدينة شركات عاملة في هذا المجال مثل: “لايف تكنولوجيز كورب”، و”بيو أوت سوروس”، و”إس.بي درج ديسكفري”.
كما تحتضن غلاسكو شركات ذات شهرة عالمية تعمل في القطاع الهندسي، مثل “بي آيه إي سيستمز” و”تايلس أوبترونيكس”.
بجانب ذلك، صارت غلاسكو مقصدا ذا شعبية واسعة بين القائمين على تنظيم المؤتمرات في أوروبا.
ويقول تايلور إن المدينة استضافت خلال العقد الماضي 3323 مؤتمرا محليا ودوليا، وضخّ ذلك في شرايين اقتصادها المحلي ما يربو على 1.2 مليار جنيه استرليني.
ومن بين الأماكن الرئيسية التي تستضيف مثل هذه المؤتمرات، “المركز الاسكتلندي للمعارض والمؤتمرات”، بقاعته الفسيحة للمؤتمرات ذات التصميم المميز على شكل حيوان المدرع، والتي تحمل اسم “كلايد أوديتوريوم”، بجانب قاعات العرض الخمس الموجودة في المركز أيضا.
ومن بين مواقع استضافة المؤتمرات في غلاسكو كذلك، مركز التكنولوجيا والابتكار التابع لجامعة ستراس كلايد، ذاك المركز الذي افتُتِحَ حديثا والمجهز بأحدث الأجهزة والمعدات والتقنيات.
وفي مسح أجرته مؤسسة “مرسر” لتقديم الاستشارات بشأن الموارد البشرية في عام 2014، جاءت غلاسكو في مرتبة متقدمة بين المدن الأقل تكلفة بالنسبة لزوارها على مستوى العالم.
أما سكان المدينة فيفخرون بشدة بكونها قد اعتُبِرتْ “المدينة الأكثر حفاوة بزوارها في العالم”، من قبل مجلة “كونديه ناست ترافلر”، وكذلك من جانب دار “رَفْ جايدز” للنشر المتخصصة في مجال السياحة والسفر.
ثقافة “سر الصنعة”
وفي مدينة تحبذ الحديث الصريح المباشر، يكون للتعامل بشكل صادق وواضح قيمته.
هنا يمكن الاستعانة برأي ستيفن مايل، وهو مستثمر يزور غلاسكو بانتظام في إطار أسفاره حول العالم، ويعمل هذا الرجل في الأساس بمدينة جاكسونفيل بولاية فلوريدا الأمريكية، حيث يستثمر أمواله في شركات تُعنى بوسائل الإعلام الرقمية ووسائل التواصل الاجتماعي.
يقول مايل في هذا الشأن إن إقامة علاقات اجتماعية في غلاسكو “لا ترتبط بالتعارف العرضي أو خلال مناسبات بعينها، بقدر ما ترتبط أكثر بالقدرة على التواصل وإقامة علاقة اجتماعية. قد تنشأ مثل هذه العلاقة خلال احتساء مشروب ما، أو على مأدبة غداء أو عشاء. الأمر المهم هنا يتعلق بأن تكون قادرا على توثيق صلات” من هذا النوع.
ويضيف: “السخرية الاسكتلندية ذات الطابع الفظ والجاف تشكل جزءا من ذلك. فالناس تتلاقى وتقيم روابط فيما بينها وهي تتبادل مثل هذه الفكاهات تماما كما تقوم بذلك وهي تتناول الطعام”.
من جهة أخرى، فإذا كنت تشارك في اجتماع في غلاسكو، فعليك أن تعد نفسك لأن تجد كل المشاركين الآخرين في الاجتماع وهم يدلون بدلوهم ويطرحون أفكارا خلاله.
ففي اجتماعات مثل تلك – كما يقول مايل – يسود “قدر أقل (من التقيد الصارم) بالتسلسل الوظيفي، وكذلك قدر أقل من الادعاء والغطرسة.. في بعض بقاع العالم، يمكن أن ارتدي ساعة يد باهظة الثمن لحضور اجتماعات العمل، ولكن ذلك ليس ضروريا في غلاسكو. فالناس هناك لا يحاولون التأثير في من أمامهم. فهم يحاولون التواصل، وإيجاد حل وسبيل يمكنهم من إنجاز المشروعات والصفقات معا”.
المطارات في غلاسكو
يقع مطار غلاسكو الدولي، وهو المطار الرئيسي المخصص للرحلات الطويلة في اسكتلندا، على بعد ثمانية أميال تقريبا (13 كيلومترا) إلى الغرب من المدينة.
ويوفر لمستخدميه رحلات إلى نحو 110 من وجهات السفر في شتى أنحاء العالم، بما في ذلك الشرق الأوسط والولايات المتحدة وكندا.
وقد بدأ مؤخرا تشغيل خط جديد لتسيير رحلات جوية مباشرة تربط بين غلاسكو ومدينة هاليفاكس عاصمة إقليم “نوفا سكوتيا” الكندي. كما بدأ تسيير رحلات مباشرة إلى مدينتي ميونيخ وبراغ بداية من شهر يونيو / حزيران العام الجاري.
وحالما تخرج من صالة الوصول الرئيسية لمطار غلاسكو، ستجد أمامك سيارات أجرة وحافلات تعمل على مدار الساعة. فإذا ما قررت أن تستقل سيارة أجرة تابعة لشركة (غلاسكو آيربورت تاكسيس) لِتُقِلكْ إلى وسط المدينة، ستستغرق الرحلة نحو 20 دقيقة، بتكلفة تبلغ نحو 23 جنيهاً استرلينياً (35 دولاراً أمريكياً).
هناك بديل أقل تكلفة يتمثل في قطع المسافة ذاتها على متن حافلة. وهنا بوسعك أن تستقل الحافلات العاملة على خط 500، التي توصّل الركاب إلى وسط غلاسكو بتكلفة لا تتجاوز ستة جنيهات استرلينيه ونصف الجنيه (10 دولارات أمريكية) خلال قرابة 25 دقيقة. ويبلغ معدل تقاطر هذه الحافلات نحو 10 دقائق بين كل منها والأخرى.
أما المطار الثاني في المدينة الاسكتلندية، فهو مطار غلاسكو برستويك الواقع على بعد 32 ميلا (51 كيلومترا) جنوب غربي غلاسكو، والمخصص للرحلات التي تقصد وجهات السفر الأوروبية.
كما يشكل هذا المطار المعقل الرئيسي لشركة (ريان آير) لرحلات الطيران منخفضة التكاليف. وإذا ما أردت الانتقال من ذلك المطار إلى وسط المدينة على متن سيارة أجرة، فسيكلفك ذلك ما بين 50 إلى 60 جنيهاً استرلينياً (76 إلى 91 دولاراً أمريكياً) في نحو 40 دقيقة.
كما يوجد في المطار محطة سكك حديدية خاصة به، ينطلق منها قطار كل 20 دقيقة تقريبا، مُتجهاً إلى محطة السكك الحديدية الرئيسية في المدينة، التي تحمل اسم (غلاسكو سنترال). وتستغرق الرحلة نحو 50 دقيقة، وتكلف الراكب سبعة جنيهات استرلينية وثمانين بنساً (12 دولارا أمريكيا).
ومن محطة القطارات الرئيسية هذه، لا يفصلك عن مانشستر سوى رحلة بالقطار تقطعها في ثلاث ساعات وعشرين دقيقة، ورحلة مماثلة إلى لندن تستغرق بدورها نحو أربع ساعات ونصف الساعة.
تماثل قيمة العملات الورقية التي تُطبع في اسكتلندا قيمة نظيرتها الصادرة عن بنك انجلترا، بل وهي صالحة للتداول قانوناً في مختلف أنحاء المملكة المتحدة.
رغم ذلك، فنظرا لأن للعملات المطبوعة والمسكوكة في اسكتلندا تصميمات مختلفة عن نظيرتها الانجليزية، يُرفض في بعض الأحيان التعامل بهذه العملات خارج اسكتلندا، أو استبدالها بعملات أخرى خارج المملكة المتحدة.
الخيار الأفضل في هذا الشأن، يتمثل في استبدال أوراق النقد الاسكتلندية بنظيرتها المطبوعة في انجلترا قبل مغادرة اسكتلندا.
على بعد بضع خطوات من محطة السكك الحديدية الرئيسية في غلاسكو (غلاسكو سنترال)، يقع فندق من فئة الخمس نجوم يحمل اسم راديسون بلو. وهو فندق عصري شاهق الارتفاع، تخصص إدارته للنزلاء موظفين متخصصين في مساعدتهم على حل المشكلات التي تواجههم، وتوفير المعلومات التي يحتاجون إليها.
كما يتوافر عمال لمساعدة النزلاء على صف سياراتهم، فضلا عن تقديم المكان خدمة الغسيل السريع للملابس. وينعم نزلاء الفندق أيضا بخدمة الاتصال بشبكة الإنترنت بسرعة فائقة، وبالقدرة على استخدام حمام السباحة وحمام البخار الموجودين في المكان.
وتكرس إدارة الفندق الطابق الأول منه بالكامل لاستضافة الاجتماعات والفعاليات المختلفة. ويتضمن هذا الطابق أماكن مزودة بتجهيزات لتشغيل المواد المسموعة والمرئية، فضلا عن قاعات مُهيأة لاستضافة اجتماعات خاصة.
أما في الطابق السفلى، فيوجد بهو تتوافر فيه غرف مريحة لاحتساء المشروبات، وهو ما يفيد من يريدون إجراء لقاءات ثنائية طارئة.
وعلى بعد دقيقتين سيرا على الأقدام من “المركز الاسكتلندي للمعارض والمؤتمرات”، فيقع فندق هيلتون غاردن إن، المطل على شارع فنيستون كواي. وشهد هذا الفندق، وهو من فئة الأربع نجوم، عمليات تجديد مؤخرا.
وتبدأ أسعار الإقامة فيه من 68 جنيهاً استرلينياً (104 دولارات أمريكية) لليلة الواحدة. ويحظى النزلاء بإمكانية الدخول مجانا على شبكة الإنترنت الموجودة في الفندق عبر خدمة الـ”واي فاي”، وتتوافر لهم بداخل الغرف أجهزة كمبيوتر من إنتاج شركة آبل لاستخدامهم الشخصي. إلى جانب ذلك، يمكن لهم ارتياد مركز اللياقة البدنية الموجود في المكان، والاستمتاع بمشاهدة نهر كلايد القريب من الفندق.
إذا ما أردت تناول السمك الاسكتلندي مع مأكولات بحرية أخرى وإلى جوار كل ذلك احتساء نبيذ فرنسي، فلتكن وجهتك مطعم روغانو، الواقع على بعد خطوات قليلة من معرض “الفن الحديث” ذي الطابع الفاتن والساحر، وهو المطعم القريب كذلك من متاجر الأزياء بشارع بيوكانان.
وبفضل أثاثاته وديكوراته الداخلية الأصلية التي تتسم بطابع التصميمات الفنية التي كانت سائدة في عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي، يوفر هذا المطعم – الذي يشمل كذلك حانة لتقديم أنواع مختلفة من المحار بجانب المشروبات – تلك الأجواء الجمالية الأنيقة التي كان يمكن الاستمتاع بها على متن سفينة فخمة، من تلك التي جرى بناؤها في ثلاثينيات القرن العشرين على ضفاف نهر كلايد.
ويقدم المطعم وجباته العادية كذلك في الحانة المخصصة لتقديم المحار. وبمقدور مرتاديه أن يسترقوا السمع للثرثرة الدائرة بين من يغص بهم المكان حول أمور مثل: وسائل الإعلام المحلية، الشؤون القضائية والتجارية أو الموضوعات المتصلة بصناعة الترفيه.
وإذا أردت الاستمتاع بقدر أكبر من الثرثرة، بل وربما أيضا الاستماع إلى عزف حي لموسيقى تقليدية إلى جانب المدفأة إذا حالفك الحظ في أن تنعم بذلك، فبوسعك التوجه إلى حانة ومطعم بابيتي باوستر بداخل مبنى يعود للقرن الثامن عشر في حي مرتشانت سيتي بوسط غلاسكو.
ورغم أن هذه الحانة الصاخبة بالرواد، تشهد حفلات موسيقية مرتين أسبوعيا بحسب جدول المواعيد الذي وضعته إدارتها، فإن مثل هذه الحفلات قد تحدث كذلك في أحيانِ كثيرة دون سابق ترتيب.
وتبدأ أسعار الوجبة المؤّلفة من ثلاثة أصناف في المطعم القابع في الطابق الأول اعتبارا من 22 جنيهاً استرلينياً ونصف الجنيه (35 دولارا أمريكيا). ويمكن أن تتضمن مثل هذه الوجبة ألوان طعام من المطبخ الاسكتلندي، مثل الصنف المعروف باسم (هاجيس)، وهو عبارة عن قطع من لحم الغنم مفرومة ومخلوطة بالبصل ودقيق الشوفان والشحم والتوابل وغيرها.
وإذا ما كنت بصدد استكشاف جوانب من تاريخ بناء السفن في غلاسكو، فبوسعك زيارة متحف “ريفر سايد” على ضفاف نهر كلايد.
فتحت السقف المتعرج لهذا المتحف الذي صممته المهندسة المعمارية العراقية زها حديد؛ بمقدورك مشاهدة مجموعة فاتنة لوسائل النقل التي كانت مستخدمة بشكل كبير في القرن العشرين؛ مثل القطارات التي تسير بالكهرباء “الترام”، وكذلك الحافلات المماثلة لها والتي تُعرف باسم “التروللي”، فضلا عن القاطرات، وأيضا طرز عتيقة من السيارات والحافلات والدراجات البخارية.
وخارج المتحف، ترسو سفينة تحمل اسم “ذا تول شيب” (السفينة الطويلة) وهي آخر سفينة لا تزال قادرة على الطفو من تلك السفن التي بُنيت على ضفاف نهر كلايد.
أما إذا رغبت في أن تزج بنفسك في غمار عالم الفن الحديث الذي أبدعه المهندس المعماري والفنان والمصمم تشارلز رينيه ماكنتوش، يمكنك المشاركة في إحدى الجولات الحرة التي يشهدها ماكنتوش هاوس (منزل ماكنتوش) الواقع بداخل معرض “هنتريان” للفنون.
وهناك، ستجد الأثاث والديكورات الداخلية وقد أُعيد تجميعها وصفّها على ذات النسق الذي كانت عليه بين عامي 1906 و1914في منزل ماكنتوش، ذلك الفنان المولود في غلاسكو.
وتشكل غرف احتساء شاي الصفصاف التي صممها هذا الفنان الاسكتلندي، أحد أكثر المحطات التي تحظى بشعبية كبيرة في الجولة التي تجوب المعالم المرتبطة بفنه في غلاسكو، والتي يُطلق عليها اسم “ماكنتوش ترايل” (على درب ماكنتوش).
أمور تؤخذ في الاعتبار
وعندما تتجول في شوارع غلاسكو أو تنخرط في أي نشاط اجتماعي هناك، لا تشعر بضيق إذا ما وجدت من يخاطبك دون سابق معرفة بـ”الرفيق أو “الصديق” – سواء كنت رجلا أو سيدة – ثم يُمطِركَ بالأسئلة المباشرة.
فأبناء هذه المدينة يحبون الثرثرة حقاً، ولا يُعرف عنهم الخجل أو التحفظ في الحديث مع الغرباء.