الرياض – السعودية
أكد التحليل الاقتصادي لمجموعة بنك قطر الوطني “كيو ان بي” أن ربط سعر الصرف بالدولار الأمريكي هو سياسة مناسبة لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية حيث إنها توفر الاستقرار لمعدلات التضخم وللنمو.
وقال التحليل الاقتصادي الأسبوعي للمجموعة الصادر اليوم، إنه مع تقدم دول مجلس التعاون الخليجي في مسار التنويع الاقتصادي، وخاصة فيما يتعلق بالصادرات، بإمكانها أن تستفيد أكثر من نظام سعر صرف أكثر مرونة في المستقبل، مشيرا إلى أن هناك إرادة سياسية والتزاما وموارد كافية لدى دول مجلس التعاون الخليجي في الوقت الحاضر، للإبقاء على ربط عملاتها بالدولار الأمريكي.
وقال إن خمسا من دول مجلس التعاون الخليجي حافظت على ربط عملاتها بالدولار الأمريكي لعقود، فيما ظلت الكويت هي الدولة الخليجية الوحيدة التي تربط عملتها بسلة من العملات، مبينا أنه حتى في هذه السلة يعتبر الدولار الأمريكي هو الأرجح وزناً.
ولفت إلى، أن التراجع الحاد الذي طرأ مؤخراً على أسعار النفط أثار بعض التوقعات في سوق العملات حول إمكانية خفض دول مجلس التعاون الخليجي لعملاتها، مؤكدا أن هذا الرهان ليس في محله على الأرجح لسببين: الأول أن الربط بالدولار مفيد على المستوى الاقتصادي بالنظر لهياكل اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي، والثاني أن هناك إرادة سياسية مدعومة بالوفرة في موارد دول مجلس التعاون للحفاظ على هذا الربط.
ولإدراك مزايا هذا الربط، تساءل ما الذي كان سيحدث لو أن دول مجلس التعاون الخليجي كانت تعتمد على نظام سعر الصرف العائم، مشيرا إلى أنه في مثل هذا السيناريو، كان تراجع أسعار النفط سيؤدي إلى انخفاض في قيمة العملات المحلية وهو ما حدث في بعض كبرى الدول المصدرة للنفط كروسيا والبرازيل التي تراجعت قيمة عملتيهما بواقع 71 في المائة و88 في المائة على التوالي مقابل الدولار الأمريكي منذ منتصف عام 2014.
وقال ،إنه حتى في بعض الدول الأخرى المصدرة للنفط التي تعتمد بشكل أقل على الصادرات النفطية مثل كندا والنرويج شهدت تراجعاً كبيراً في قيمة عملاتها (25 في المائة و42 في المائة على التوالي خلال نفس الفترة).
ونبه إلى أن انخفاض قيمة العملة من شأنه أن يثير ارتفاعاً كبيراً في التضخم بالنظر إلى الحصة الكبيرة التي تستحوذ عليها السلع والخدمات المستورَدة في سلة المستهلكين وهو ما تؤكده التجارب الدولية حيث تشهد أسعار المستهلك في البرازيل وروسيا تضخماً كبيراً ونتيجة لذلك، كانت البنوك المركزية في دول مجلس التعاون ستقوم برفع أسعار الفائدة لجذب رؤوس الأموال الأجنبية والحد من تراجع قيمة عملاتها والسيطرة على ارتفاع التضخم.
واعتبر أنه على أثر هذا كله، كان النمو سيتأثر سلبياً بشكل شبه حتمي بسبب تراجع الاستهلاك الخاص نتيجة لتقلص القوة الشرائية للمستهلكين من جراء ارتفاع معدلات التضخم، كما كان الاستهلاك سيصبح أقل جاذبية من الادخار بسبب ارتفاع أسعار الفائدة.
وذكر تحليل “كيو أن بي” أن من شأن ذلك كله أيضاً تراجع الاستثمار نتيجة لارتفاع أسعار الفائدة، كما أن التقلب المتزايد في معدلات التضخم وأسعار صرف العملات الناجم عن نظام سعر الصرف العائم كان سيجعل من الصعب اجتذاب العمال الأجانب ورؤوس الأموال الأجنبية، وهما المحركان الرئيسيان للنمو في بعض دول مجلس التعاون الخليجي.
وأكد أن هذه الحيثيات تشير بوضوح إلى فوائد النظام الحالي القائم على ثبات سعر الصرف، لافتا إلى ما يراه البعض من أن انخفاض قيمة العملة كان بإمكانه أن يعزز القدرة التنافسية للصادرات ويدفع بعجلة النمو.
وأوضح أن تلك حجة صحيحة بالنسبة لاقتصادات مثل كندا والنرويج، لكنها لا تنطبق على دول مجلس التعاون الخليجي لأن معظم صادراتها تنحصر في النفط والغاز، اللذين يتم تحديد أسعارهما دولياً وتقويمهما بالدولار الأمريكي، مشيرا على سبيل المثال إلى أن انخفاض قيمة العملة في دول مجلس التعاون الخليجي لن يجعل برميل النفط الخليجي أكثر جاذبيةً من برميل النفط الروسي.
وقال “بطبيعة الحال، ومع تنويع دول مجلس التعاون الخليجي لصادراتها، يمكن لانخفاض قيمة العملة أن يفيد الصادرات غير النفطية” منبها إلى أن دول مجلس التعاون الخليجي التي تمكنت من تنويع مصادر النمو الاقتصادي بعيداً عن النفط والغاز، مازال تنويع صادراتها متأخراً.
وأشار إلى، أنه بالنظر إلى أن نظام سعر الصرف الثابت مناسب لدول مجلس التعاون الخليجي، يبقى السؤال هو: هل من المتوقع أن تحافظ دول مجلس التعاون على هذا الوضع، مجيبا بنعم وعازيا ذلك لسببين: الأول، أن هناك إرادة سياسية والتزاما للحفاظ على الربط نظراً لفوائده الاقتصادية للمستهلكين والاقتصاد ككل. والثاني أن هناك موارد مالية وافرة للحفاظ على ربط سعر الصرف.
ولفت في هذا السياق إلى أن دول مجلس التعاون الخليجي نجحت في مراكمة مدخرات كبيرة بالعملات الأجنبية خلال الطفرة النفطية الأخيرة، وبإمكانها استخدام هذه المدخرات للدفاع عن ربط عملاتها بالدولار، حيث تبلغ هذه المدخرات في العديد من دول مجلس التعاون أكثر من 100 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي.
وقال إنه بالرغم من أن بعض هذه الاحتياطيات قد استخدمت في الأشهر الأخيرة، إلا أنها تظل كبيرة وكافية للدفاع عن ربط العملات بالدولار حتى لو ظلت أسعار النفط منخفضة لبضع سنوات.