مجلة كيوبيزنس Q Business
الجدل حول معايير النزاهة الحقيقية لعمل وكالات التصنيف الائتماني يأخذ وتيرة متسارعة، فوجهة نظر مدعومة بآراء العديد من الخبراء تشير إلى أن أعمال تلك الوكالات تشوبها بعض شبهات “التلاعب بالتصنيف”، الأمر الذي يردّ في كثير منه إلى علاقة تلك الوكالات بأكبر الاقتصادات العالمية، وهو الاقتصاد الأمريكي، على خلفية انتماء تلك الوكالات للولايات المتحدة الأمريكية.
آخر من أثار الجدل بهذا الشأن، الكاتبان “جورج أ.أكيرلوف” الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد لعام 2011، والأستاذ في جامعة بيركلي، وروبرت ج. شيلر، الحائز على الجائزة ذاتها عام 2013، وأستاذ الاقتصاد والتمويل في جامعة يال، حيث يقدمان في كتابهما المشترك الذي يحمل عنوان “صفقة المخدوعين”، ما يطلقان عليه “اقتصاد التلاعب وخيبة الأمل”، مسلطين الضوء على أنه بينما كانت وكالات التصنيف الائتماني في الماضي تقدم تقييمات صحيحة، فإنها في العصر الحالي أصبحت تقدم ما يرون أنه “مغالطات”.
وتتمحور تلك الرؤية للمغالطات في الغالب حول البيانات التي تصدرها الوكالات حول الجوانب الاقتصادية الأمريكية، ولكن الأمر لا يخلو من بعض أحداث الشد والجذب. أبرز تلك الأحداث كان في عام 2011، حين خفضت وكالة “ستاندرد آند بورز” من التصنيف الائتماني الممتاز للولايات المتحدة الأمريكية (إيه إيه إيه) ، الأمر الذي أشار مسؤولون أمريكيون إلى أنه رغم أن الوكالة أرضت عملاءها، فإنها تسببت في الإضرار بالاقتصاد الأمريكي وتسبب في وقوع أزمة مالية.
تصريح المسؤولين الأمريكيين أتى ليطرح العديد من التساؤلات حول ماهية العلاقة بين الوكالة والمنظومة الاقتصادية الأمريكية، فقد كان الخفض للتصنيف حقيقيًا ومتعلقًا بما اعترض الاقتصاد العالمي من عقبات في ذلك الوقت، إلا أنه ورغم حقيقية ذلك الخفض، فإن الاقتصاد العالمي لم يتعامل معه بالشكل المنتظر، حيث لم يشكل أي رد فعل حقيقي، كما أن الوكالة لم تعط أي توصيات حياله، الأمر الذي أثار العديد من التكهنات حول “صورية” تلك التصنيفات، خصوصًا فيما يتعلق بالولايات المتحدة.
وفي أواخر العام الماضي، اتهمت محكمة أستراليا الفيدرالية وكالة “ستاندرد آند بورز” بتضليل اثني عشر مستثمرًا، حين منحت الدرجة العليا لمنتج مشتق من مصرف “إيه بي إن آمرو” في حين أنه فقد قيمته بعد أقل من عامين، الأمر الذي ترتبت عليه أولى محاكمة كاملة لوكالة تصنيف ائتماني في قضية منتج مالي.
وللحد من نفوذ وكالات التصنيف الائتماني، فقد شجعت أوروبا الشركات المالية على إنجاز تقييماتها دون اللجوء إليها، في ظل تخفيض تلك الوكالات للتصنيف الائتماني لبعض تلك الدول بشكل مستمر، دون أي معايير منطقية، بالنسبة للعديد من مسؤولي تلك البلدان.
تلك العلاقة الباردة بين الوكالات والدول الأوروبية ظهرت جلية في سعي ألمانيا لتأسيس وكالة أوروبية مستقلة، للاستقلال عن المؤسسات الأمريكية، بينما تشكل أحد أهم فصول تلك العلاقة الباردة، حين أجرى ممثلو الادعاء في تراني تحقيقات مع ستة محللين من مؤسستي “فيتش” و”ستاندرد آند بورز” متهمين إياهم بنشر معلومات مقلقة بشأن الجدارة الائتمانية لإيطاليا في الفترة من 2011 وحتى 2012.
وتؤكد معظم الآراء التي تحاول التأكيد بأن هناك ثمة “تلاعب” في التصنيف الائتماني لبعض الدول، أن الولايات المتحدة الأمريكية هي العامل الأبرز في تلك التصنيفات، مراوحين بينها وبين وجهات النظر وتوجهات السياسة الأمريكية تجاه محاور الجدل في المنظومة الاقتصادية العالمية.