أكد خبراء اقتصاديون القوة الاقتصادية التي تتمتع بها دولة قطر والتي تمكنها من الدخول نحو الأسواق العالمية بكل أريحية وأمان استثماري عالي الجودة، بما فيها سوق السندات الدولية والاقليمة، حيث يمكن لدولة قطر أن تستفيد من جدارتها الائتمانية عالية الكفاءة، في ظل قوة الاقتصاد الوطني الذي تتمتع به وجودة الاصول المالية، والتنويع الاقتصادي الذي تتحرك فيه بقوة، اضافة لدورها القوي في صناعة الطاقة النظيفة، حيث تنتج اكثر من 77 مليون طن متري من الغاز الطبيعي.
واعتبروا انه يحق للدولة التوجه الى سوق السندات الدولية بقوة دون الحاجة الى تسييل محفظتها الاستثمارية السيادية، خاصة مع النشاط الكبير الذي تشهده سوق السندات على المستوى العالمي وجذبه للاستثمارات.
وتوقع خبراء أن تواصل سوق السندات العالمية ارتفاعها بنهاية العام 2017، رغم المتغيرات الجيوسياسية والجيواقتصادية الحاصلة على مستوى العالم والتي أدت بشكل مباشر وغير مباشر الى ارتفاع تكلفة الاقتراض وارتفاع أسعار الفائدة البنكية.
ومن بين تلك المتغيرات التي أدت إلى ارتفاع تكلفة الاقتراض انتخاب الرئيس الامريكي الجديد دونالد ترامب والسياسات التي حملها معه للبيت الابيض، اضافة إلى التقلبات التي شهدتها اسواق الطاقة ويضاف اليها توجه البنك الفيدرالي الامريكي نحو رفع الفائدة في اكثر من مناسبة خلال الفترة المقبلة بعد ان رفعها خلال العام الجاري في مناسبيتن الأولى، بعد تحسن مستويات اداء الاقتصاد الامريكي، وخاصة اثر تعافي مؤشري البطالة والتضخم.
وكان سوق السندات العالمي حقق خلال العام الماضي نموا مطردا، حيث نجح في نهاية ديسمبر 2016 من كسر حاجز 6 تريليونات دولار، حيث استقر حجم السندات التي تم اصدارها في العام الماضي عند نحو 6.7 تريليون دولار أمريكي، وهو ما يعادل نحو 21.9 تريليون ريال، مسجلا نسبة نمو تساوي 670% خلال 21 عاما الماضية، بعد ان كان حجم الاصدارات السنوية من السندات يساوي 1 تريليون دولار اي ما يعادل 3.64 تريليون ريال في العام 1995، في حين كانت تقدر بنحو 4 تريليونات ريال في العام 2008 والذي صادف الازمة المالية العالمية، قبل ان يستقر معدل حجم الاصدر من السندات بين 5 و5.5 تريليون دولار خلال الفترة المتراوحة بين 2009 و2015.
وتؤكد المعاهد الدولية المختصة على غرار معهد بازل ان الفترة الماضية شهدت ارتفاعا في حجم الاقبال على الاصدارات المالية على المستوى العالمي مقابل تراجع اسعار العائد على السندات واوراق الدين، حيث يشير المعهد المتخصص في الدراسات المالية والبنكية تواصل انخفاض اسعار الفائدة، حيث تراجعت من مستوى 4.5% في نهاية العام 1986 لتصل الى مستويات صفرية في نهاية العام الماضي، موضحا ان تتحرك في مجال حده السفلي 2-% وحده العلوي 2%، مقابل تواصل ارتفاع الديون على المستوى العالمي، ويشير معهد بازل في احدث تقاريره الى ان الدول والحكومات عملت خلال السنوات الماضية الى تخفيف مخاطر السندات والاوراق الدين بالعملات الاجنبية، حيث اعتمدت تلك الدول والحكومات انظمة نقدية تتسم بالمرونة المطلقة مع العمل قدر الامكان على المحافظة على العملات الاجنبية من مخاطر انهيارها مما سمح بتبادل اقل للمخاطر.
إلى ذلك، فقد ارتفع الدين العام العالمي نهاية ديسمبر 2016 بـنحو 150 مليار دولار اي ما يعادل 546 مليار ريال، اي ان الدين العام اصبح يمثل نحو 250% من اجمالي الناتج العالمي، بعد ان كان يمثل نحو 180% من الناتج العالمي في العام 2007.
السياسات النقدية
وساهمت السياسات النقدية التوسعية التي اعتمدتها البنوك المركزية العالمية في اعقاب الازمة المالية العالمية، اضافة الى تراجع العائد على السندات التي اصدارها ليصل الى مستويات سالبة، في كبح جماح تكلفة الاقتراض والضغط عليها مما انعكس ايجابيا على سوق السندات دفعه الى الارتفاع بشكل ملحوظ، خاصة ان المخاطر تعتبر فيه ضئيلة واكثر امنا من سوق الاسهم.
وتوزع اجمالي السندات الصادرة العام الماضي الى نحو 3.6 تريليون دولار اصدرتها الشركات وهو ما يعادل 13.1 تريليون ريال، في حين تم طرح سندات سيادية بقيمة تجاوزت 550 مليار دولار ما يعادل نحو 2 تريليون ريال، واستحوذت الشركات والوكالات الأمريكية على نحو 540 مليار دولار امريكي اي ما يعادل 1.97 تريليون ريال، في حين توزعت قيمة السندات الاخيرة والبالغة نحو 1.93 تريليون دولار على قطاعات اقتصادية اخرى وهو ما يعادل نحو 7 تريليونات ريال.
السندات لإدارة السيولة
نجحت دولة قطر خلال النصف الاول من العام الجاري في اصدار نحو 18.5 مليار ريال قطري من خلال مصرف قطر المركزي، وهو ما يعادل نحو 5.1 مليار دولار، مقابل 11.5 مليار ريال تم اصدارها خلال العام الماضي في شكل سندات بما يعادل نحو 3.1 مليار دولار امريكي.
ويشير مصرف قطر المركزي ضمن احدث تقاريره الى ان دولة قطر تنتهج عند اصدارها للسندات خطة استراتيجية تعدها لجان مختصة من مصرف قطر المركزي بشكل مسبق تدخل في اطار خططه لحسن ادارة السيولة في الجهاز المصرفي العامل في الدولة وفقا للمعايير والضوابط التي يحددها، حيث تشير مصادر من “المركزي” الى ان هذا الاخير عمل خلال السنتين الماضيتين بشكل استباقي لادارة السيولة من خلال اللجوء الى ادوات مختلفة مثل نظام معدلات السوق النقدي ومزادات اذون وسندات الخزينة بهدف تحقيق الادارة الفعالة للسيولة مع تعزيز هدف النمو الاقتصادي في الوقت نفسه.
103.4 مليار ريال أذونات
الى ذلك، ارتفعت سندات الخزينة القائمة من 95.2 مليار ريال بنهاية العام 2015 الى نحو 103.4 مليار ريال في نهاية العام 2016، ففي العام الماضي قام مصرف قطر المركزي بتعديل السيولة الهيكلية من خلال مزادات السندات الحكومية، حيث اصدر خلال النصف الاول من العام 2016 مزادا واحدا بقيمة 5 مليارات ريال لاجل 7 سنوات قبل ان يقوم في النصف الثاني من العام الماضي باصدار 3 مزادات بقيمة بلغت 17.2 مليار ريال منها 5.7 مليار ريال صكوكا، كما قام “المركزي” بإطالة فترة استحقاق السندات الحكومية الى عشر سنوات في هذه المزادات لتطوير منحى العائد، حيث كان الهدف الاساسي من اصدار تلك السندات هو تسهيل ادارة السيولة في مصرف قطر المركزي والمساعدة على تطوير سوق الدين المحلي بما يتماشي مع استراتيجية التنمية الوطنية 2011-2016.
إصدارات المركزي
وساهمت إصدارات مصرف قطر المركزي من السندات خلال العام الماضي في امتصاص نحو 9.2 مليار ريال من السيولة الموجودة في السوق مقارنة بما تم امتصاصه في العام 2015، حيث كانت تساوي قيمة السيولة التي وقع امتصاصها بنحو 22 مليار ريال.
وقال مصدر من مصرف قطر المركزي لـ”لوسيل” ان المركزي يقوم بدراسة مستفيضة وخطط استراتيجية قبل قيامه بطرح سندات للاكتتاب فيها وتداولها، وفقا لمتغيرات السوق، مشددا على انه يحق لـ”المركزي” الغاء الاصدار اذا لم يكن هناك اقبال كثيف على الاصدار من السندات او حتى من الصكوك، مشيرا الى الكفاءات التي تقوم باعداد الاصدار والتي تقوم بمتابعة دقيقة لوضعية السوق المحلي اضافة الى الاسواق الاجنبية وتقديم تقارير تقييم ومن ثم يتم اتخاذ القرار المناسب، وفقا لتوازنات السوق وتوفر مستويات عالية من السيولة.
نشاط السوق
من جهته، قال المحلل المالي والمختص في الاسواق الخليجية السيد حسين لـ”لوسيل” انه منذ هبوط اسعار النفط شهدت اسواق السندات قفزة نوعية، حيث اصبحت تلجأ اليها الدول المصدرة للنفط ومنها دول الخليج لتمويل بعض الموازنات وبعض المشاريع الى جانب الشركات والمؤسسات العاملة خاصة في القطاع المالي بهدف تعزيز مستويات السيولة. واوضح انه على الرغم من ارتفاع اسعار الفائدة الامريكية خلال الفترة الماضية مما ادى الى ارتفاع تكلفة اصدار السندات الا ان اغلب الدول حافظت على الاقبال الكثيف على الاصدارات بمختلف العملات، حيث لا توجد الى حد اللحظة اية بدائل لسوق السندات مقابل ارتفاع شهية المستثمرين في السندات مضيفا ” طالما تقوم الدول الخليجية باصدار السندات بشكل دوري فان سوق السندات سيتواصل بشكل مطرد خلال الفترة المقبلة”.
13 مليار ريال تداولات
واستبعد ان تقوم دولة قطر باصدارات خلال الفترة المقبلة من السندات وذلك نتيجة عدة عوامل ابرزها الوفرة في الميزان التجاري ونجاحها في تخطى ازمة تراجع اسعار النفط في الاسواق العالمية الى جانب ان الفجوة في عجز الموازنة يعتبر ضئيلا جدا مقارنة ببعض الدول الاخرى، مضيفا” حتى ان رغبة في اصدار السندات فان قطر تتمتع بتصنيفات ائتمانية عالية جدا تمكنها من الخروج الى السوق بكل اريحية وامان، كما ان الشركات والمؤسسات القطرية تتمتع بتصنيفات جيدة وملاءة مالية معتبرة تمكنها من الخروج للاسواق العالمية بكل اريحية”.
اما المحلل المالي احمد ماهر، فتوقع ان تشهد سوق السندات في دولة قطر مع نهاية العام المالي الجاري نشاطا ملحوظا، حيث اشار في توقعات الى ان تصل مستويات التداول الى مستوى يتراوح بين 10 مليارات ريال و 13 مليار ريال، منوها بالمستوى التنظيمي الذي تشهده سوق السندوات وادوات الدين العام من اذونات خزانة وصكوك، حيث تصدر تلك السندات والصكوك من قبل الجهات الحكومية وبالتالي تتميز بالشفافية والمصداقية في التداول.
وقال ان سوق السندات في دولة قطر تعتبر من الاسواق الناشئة بهدف التمويل التي تعول عليها بدرجة اولى الجهات الحكومية، ولا تشهد انتشارا كبيرا للسندات من قبل الشركات والمؤسسات القطرية وذلك نتيجة عدة اسباب ابرزها قدرة تلك المؤسسات على الحصول على تمويل ذاتي دون اللجوء الى اسواق الدين.
“النامية” تدعم السندات
من المنتظر ان تشهد الفترة المقبلة زخما كبيرا في اصدار السندات من قبل الاقتصاديات المتراجعة جدا، حيث تشير التحليلات المالية الى ان بعض الدول التي تعاني من مشاكل اقتصادية ومن تعثر في الديون ستلجأ وجوبا الى الاقتراض العالمي في ظل المتغيرات الجيواقتصادية التي يعشها الاقتصاد العالمي. وقد ذكرت تقارير ان الاقتصاديات التي تتمتع بتصنيف ائتماني غير استثماري او ما يعرف باقتصاد الخردة ستعمد الى تقليص تكلفة الديون والاقتراض بهدف تحفيز المستثمرين في تلك الاوراق الى الاقبال على الاكتتاب في السندات التي سيتم طرحها.
وكانت وكالة “بلومبرج”، قالت إن جميع الدول الأفريقية ستكون من بين اكثر الدول التي ستتجه الى اسواق الدين، خاصة ان متوسط العائد على السندات الدولارية لدول القارة بلغ نحو 6.14% في شهر أغسطس الماضي، وهو أدنى مستوى منذ عام 2015، لكن معدل الفائدة المتراجع في الاقتصادات المتقدمة حال دون التفات المستثمرين إلى النظر في المشاكل التي تعاني منها الاقتصادات المتقدمة بما في ذلك أسعار السلع الأساسية والتوترات السياسية.
أنواع السندات
تعتبر السندات هي إحدى أدوات الدين المهمة التي يتم تستخدمها الحكومة بهدف توفير السيولة اللازمة لتمويل المشاريع، وتعتبر السندات أداة من أدوات السياسة النقدية على المستوى السيادي، كما أن هذه السندات أدوات استثماريه ذات مخاطر أقل وتتراوح مدة إصدارها من متوسطة إلى طويلة الأجل.
وتوجد عدة انواع للسندات وهي السندات الحكومية وسندات الشركات وسندات الاسواق الناشئة، والاوراق المالية المدعومة بالاصول او بالرهن العقاري. وظهر مؤخرا نوع جديد من سوق السندات التي تعرف بسوق السندات الخضراء والتي ترتبط بالاستثمارات الصديقة للبيئة، وقبل عقد من الزمن كان إجمالي هذه الإصدارات لا يتخطى بضع مئات من ملايين الدولارات سنويا. مع بداية ظهور سوق السندات الخضراء كان مصدرو السندات يقررون مدى ارتباط السندات بهذه السوق من عدمه، ولكن بعد ذلك قامت إدارة البيئة في البنك الدولي بإدارة المشاريع الممولة من السندات الخضراء. وبلغ حجم السندات الخضراء في عام 2016 نحو 97 مليار دولار وفقا لبنك “سكاندينافيسكا إنسكيلدا” السويدي والذي يتوقع أن تصل هذه القيمة إلى 125 مليار دولار في نهاية العام الجاري.